الترويج للانقلاب.. تحريض عليه!!

الذين عاصروا حقبة الديمقراطية الثالثة في السودان.. وخاصة الذين تابعوا بوعي سياسي الفترة من يناير وحتى يونيو 1989.. يذكرون بوضوح ولا شك.. أن السودانيين في تلك الأشهر.. كانوا يستيقظون على شائعة انقلاب عسكري.. ليناموا على توقعات بانقلاب حقيقي.. كانت الحملة المضادة للديمقراطية تتصاعد بوتيرة حادة.. خاصة من تلقاء الجبهة القومية الإسلامية، التي كانت صحفها تتعدد وتتمدد وقتذاك، من حزبية إلى طلابية، إلى التي خاصة تدين بالولاء، إلى أخرى تدعم على استحياء؛ حتى مذكرة القوات المسلحة الشهيرة في فبراير من ذلك العام، والتي جسدت أول وأضخم اعتراف للجيش السوداني بالديمقراطية.. حيث أن قيادة القوات المسلحة، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، قد عبرت عن رأيها في تطورات الأحداث السياسية ومساراتها ومآلاتها، بصورة ديمقراطية، تجسد فيها احترام المؤسسة العسكرية للنظام الديمقراطي الذي اختاره الشعب.. كما عبر المسلك عن اعتراف بالمؤسسات الشرعية القائمة.. فالقوات المسلحة يومها، لم تحرك مدرعاتها وآلياتها، ولم تطلق مذكرتها في الهواء الطلق، ولم تصدر بياناً أسمته الأول أو الأخير، بل خاطبت في مذكرتها تلك؛ رئيس الوزراء المنتخب؛ منبهة للمخاطر؛ محذرة من المآلات، مطالبة بضرورة مراجعة وضع الجيش ودعمه!
إذن.. رغم كل ذلك الزخم الديمقراطي الذي تجسد في مذكرة القوات المسلحة، إلا أن قيادات الجبهة يتقدمها الراحل الدكتور حسن الترابي، كانت قادرة على لي عنق الحقيقة، وإثارة غبار كثيف حول المذكرة الشهيرة وكاتبيها.. كان الدكتور الترابي في الليالي السياسية الحاشدة يحدث الناس كيف أن مذكرة الجيش انقلاب كامل الدسم، وأنها تستهدف إلغاء الشريعة الإسلامية، وأنها تستهدف تمكين العلمانيين للقضاء على الإسلام؛ تمهيداً للقضاء على المسلمين.. ذات المنطق السائد الآن، وذات الخطاب المتداول الآن.. إن لم تصدق فعليك بأرشيف الصحف؛ ووثائق الأحزاب إن وجدت..!
مضت حملة التبشير بالانقلاب تستعر، ومضت الشائعات تتناسل.. بعضها يأخذ برقاب بعض، في ظاهرها تحذير؛ وفي باطنها تمويه وتبشير.. وكان التمويه ناجحاً حتى أن السادة رئيس الوزراء ووزير الداخلية ظلا يكذبان المعلومات التي تتدفق على مكاتبهما منذرة ومحذرة من قادم خطير، حتى حدث ما حدث..!
استشهد دائماً بعبارة للدكتور منصور خالد، وهي معروفة ومتداولة بين قرائه وسامعيه وجلسائه، متعه الله بالصحة والعافية، خلاصتها: “أن بعض أدعياء المعرفة يزعمون لأنفسهم خبرات بلغت العشرين عاماً؛ على سبيل المثال؛ ولكن وما أن تقترب من أحدهم حتى تكتشف دونما جهد يذكر؛ أنها في الواقع خبرة عام واحد، ولكنها تكررت عشرين مرة”.. فإن كان منصور قد أطلق عبارته هذي توصيفاً لأفراد، فسلوكنا الجمعي يبدو هو الآخر غير بعيد عن ذات التوصيف.. وبنفس المنطق الذي يفاخر به السودانيون أنهم قد أنجزوا ثورتين عظيمتين، والرد دائماً؛ وأضعتم ثورتين عظيمتين.. وحتى لا يأتي يوم يقف في المقابل شاهداً عليهم من يقول أضعتم ثلاث ثورات عظيمة.. وحتى لا يتكرر سيناريو العام 89 بحذافيره.. حري بالسودانيين أن ينتبهوا.. سيما وأن الترويج للانقلاب قد بدأ يتصاعد تحت دعوى.. التحذير منه..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.