نصف رأي || خالد التيجاني النور

رسائل شتاينماير: لمن يهمه الأمر

شارك الخبر

(1)
من بين أهم الإفادات التي أدلى بها الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير من بين تصريحاته المتواترة إبان زيارته للخرطوم أواخر الأسبوع المنصرم برمزيتها ودلالتها السياسية المهمة، تلك التي حملت رسائل ذات مغزى حريٌّ بصنّاع السياسات ومتخذي القرار في الحكومة الانتقالية الانتباه لها، وأخذها بما تستحق من جدية وسعة نظر في سياق فهم طبيعة وديناميات السياسات المطلوبة خلال هذه الفترة، بالغة الأهمية، من تاريخ البلاد، سواء تلك المتعلقة بحسابات السياسة الخارجية وتوقعاتها، أم بأجندة إدارة المرحلة الانتقالية باستحقاقاتها الملّحة، والعبرة هنا وجوب أن تُبنى هذه السياسات على المعطيات الموضوعية وفق حقائق الواقع العملي، وليس بدافع التصورات المفترضة أو التمنيات المرجوة.
(2)
وما يجعل لهذه الإفادات أهمية استثنائية لافتة أن السؤال والإجابة معاً، في معرض المؤتمر الصحافي المشترك بين السيدين الرئيس الزائر ورئيس الوزراء، لمسا العصب الحساس لأمّ قضايانا اليوم بلا استثناء ولا مواربة، وهي حقيقة واقع ومردود معادلة علاقة السودان الخارجية بعد التغيير، وإلى أي مدى تعبّر فعلياً عن حالة التوازن بين التطلعات الشاخصة نحوها بآمال عريضة من طرف الشعب السوداني، وبين حجم الاستجابة لها من المجتمع الدولي المنتظر منه بلا إبطاء ترجمة عملية لتصريحات قادته المتكرّرة بالوقوف مع التغيير ومساندته بما يتجاوز مجرد المجاملات الدبلوماسية اللطيفة والوعود المرسلة.
(3)
فقد كان سؤال الإعلامي المخضرم الأستاذ محمد عبد الحميد المدير العام لوكالة السودان للأنباء (سونا)، في محله تماماً توقيتاً ومضموناً، وهو يوجه للرئيس الألماني كما يُقال سؤال المليون دولار، وأنقل هنا نص السؤال “على الرغم من أن هذه الزيارة تفتح آفاقاً جديدة للتعاون السوداني الألماني، والسوداني الأوروبي، لكن لا يزال هناك شعور لدي كثير من السودانيين بأن العالم الخارجي، والمجتمع الدولي لم يستجب بعد بحماس وسرعة للتغيير والتحولات الكبيرة التي حدثت في السودان بعد الثورة، فما هو الدور الذي يمكِن أن تلعبه ألمانيا ليصبح توجهها هذا هو توجها أوروبيا يستجيب للتحديات الاقتصادية”. ؟
(4)
ومثلما كان السؤال جوهرياً في طرح القضية الأهم، من واقع حجم التعويل السوداني الكبير على دعم المجتمع الدولي للتغيير وللحكومة الانتقالية لإنقاذ الاقتصاد الشديد الاعتلال، جاءت إفادات الرئيس الألماني أيضاً جوهرية في تقديم بعض الأجوبة التي تسهم في فهم وتفسير الوقائع، وجاءت إجابته نصاً “المجتمع الدولي لا يشارِك بشكل كافٍ في دعم التغييرات التي يشهدها السودان، ولم يدرِك البعد التاريخي لهذه التغييرات، وأهمية هذه التغييرات على مستوى المنطقة برمتها وخاصة شرق أفريقيا. وزيارتي هذه مثال، وغرضها أن ينظر القادة الآخرون في أوروبا لما يحدث هنا في السودان، وأن يتطور تصورهم لما يحدث في السودان، وما يمكِن أن يحدث إذا فشل الوضع الحالي”. وأضاف “زيارتي تأتي لإيصال إشارة واضحة للذين لم يهتموا بعد بما يحدث من تغيرات في السودان، أن يأتوا إلى هنا ويوفروا الدعم له”.
(5)
إجابة الرئيس الألماني هذه تفصح عن جوانب كاشفة لحقيقة الأمور، على رأسها الإقرار النادر من رئيس دولة بوزن ألمانيا أن المجتمع الدولي لم يدعم بالفعل التغيير الذي حدث في السودان كما ينبغي له، أو كما هو متوقع منه. المسألة الأخرى ما حمله مضمون اعترافه بما يشير بصراحة إلى أن كبريات الدول لا تشارك الشعب السوداني الإحساس بعظمة النصر التاريخي للثورة السودانية الثالثة، وهو أمر صادم بحق، فهل يعود ذلك إلى مجرد “عدم إدراك المجتمع الدولي للبعد التاريخي” لهذا التغيير، ومحض “قصور في تصوره لما يحدث في السودان”؟ وهل يحتاج الوعي بعواقب “فشل الوضع الحالي” ما لم يتوفر له الدعم الحقيقي الكافي بصفة عاجلة، إلى “إرسال إشارة واضحة” بمجرد زيارة رمزية متواضعة المردود الاقتصادي؟ وهل يعقل أن يتصور أحد أن الثورة السودانية مع كل هذا الذي حققته لا تزال مجهولة التعريف، أم أن عدم الاهتمام والاهمال مجرد حجة لأن “وراء الأكمّة ما وراءها”؟!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.