( السودان ومصر بين زيارتين )

السودان ومصر بين رسالتين

شارك الخبر

لم يعد الحديث عن الأهمية الإستراتيجية (وبالدرجة الأولى) للسودان بالنسبة لمصر ولمصر كذلك بالنسبة للسودان حديث مزايدات أو تعاطٍ عاطفي، أو استسلام لمخيلات تجاوزها الزمن، تلك المخيلات التي تناولتها من قبل في هذه الزاوية والتي ظلت من العوائق المتكررة أمام أي تقدم إيجابي في مسار العلاقات بين البلدين .. والأهمية الاستراتيجية التي نشير إليها هنا لا تعني بأي حال من الأحوال ( كما ترسمها الانطباعات ) استهداف أحادي لطرف تجاه الطرف الآخر بنزع مصلحة أو استحواذ منفعة بموازين مختلة، خاصة في زماننا هذا الذي انتشر فيه وعي الشعوب وساد فيه الإدراك بأن فضاءات العالم وأقاليمه المتعددة تتحالف وتتداعى بأسس موضوعية وبمعايير محكمة لتحقيق المصالح والمنافع المشتركة، بل أكثر من ذلك بأنها تستقوي بتحالفاتها هذه ضد استهداف الآخرين وأطماعهم،، وفي اعتقادي أن هذه الرقعة التي تسمى وادي النيل بكل ما تزخر به من مشتركات طبيعية وتاريخية وثقافية متفردة قد تأخرت كثيراً في صياغة تحالفها المصيري والاستراتيجي (العادل) مهما كانت الأسباب .
الزيارتان ( الماكوكيتان ) اللتان تم تبادلهما بين الدولتين وعلى مستوى رفيع بفارق زمني لم يتعد بداية الأسبوع الماضي وبداية هذا الأسبوع تحملان دلالات حراك جديد بين مصر والسودان يتقدم بعدة دوافع ويواكب تداعيات عدد من القضايا المصيرية والحساسة التي تهم (بالاشتراك) البلدين .
ربما أكد وصول مبعوث الرئيس المصري ـ رئيس المخابرات العامة اللواء عباس مصطفي كامل ـ ووفده إلى الخرطوم بعد ساعات من حادثة التفجير التي استهدفت موكب رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك مطلع الأسبوع الماضي على أن ملف الأمن وتداعياته وآثاره على الجانبين هو على صدر الموضوعات الواجب معالجتها برؤية مشتركة دون الوقوف عند محطة الدعم المعنوي باعتبار أن الحادثة من السلوكيات الدخيلة على المجتمع السوداني وأن الإرهاب المتعدي والعابر للحدود عانت منه مصر كثيراً ومن آثاره ،، كان من الطبيعي ان يكون مقبولاً لدى السلطات السودانية أن يؤجل الوفد المصري زيارته للبلاد في ذلك اليوم ـ وبما يحمله من رسائل وموضوعات – بدافع الاحتراز أو في انتظار تلقيه لرسالة الأمان في الخرطوم بعد دوي الانفجار الآثم، لكن القرار بإتمام الزيارة يحسب بظني في رصيد المواقف المعززة للجدية
كذلك زيارة النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق اول محمد حمدان دقلو إلى مصر مطلع هذا الأسبوع ربما كانت ردًا للتحية بمثلها، وتفاعلاً على قدر عال من السرعة مع الرسالة والموضوعات التي حملها الوفد المصري، وفي تقديري أن رد الزيارة ليس بالضرورة أن يكون إجابات لطلبات مصرية بقدر ما هو تقدم أيضاً جادٌ وهميمٌ في تناول شواغل البلدين، وعلى رأسها قضية الأمن المائي الذي تعتبره مصر مهددا لمصيرها بفقدانه، وأن دور السودان فيه محوري وحساس في ذات الوقت نظراً لانعكاس قضية سد النهضة وتأثيرها حتى على الوضع السياسي الداخلي وترتيبات الانتقال الجارية الآن في البلاد ( وأعني ما أقول ) .
الرمزيات التي تتمثل في شخصية الفريق أول حميدتي وهو يقوم بزيارته لمصر في هذا التوقيت تؤكد على عدة أشياء غاية في الأهمية لأبعاد العلاقة الاستراتيجية بين السودان ومصر، فاحتلاله للموقع الثاني للقيادة العسكرية وقيادته للدعم السريع تترجم التماسك والاقتدار الذين تتسم بهما القوات المسلحة السودانية جدار الوطن الواقي وحامية أمنه، وتبعث برسالة اطمئنان إلى الجانب المصري الذي كثيراً ما طرق في أهمية العمق الجنوبي لأمن مصر كما هي العمق الشمالي لأمن السودان ،، تولي حميدتي لملف السلام الذي يتداخل موضوعيًا مع قضية الوفاق الوطني يجعل لمصر قدراً من الإسهام الإيجابي كإسهام بعض الجيران كدولة جنوب السودان وتشاد في تحقيق السلام والوفاق الوطني بالبلاد حال مناقشة هذه الموضوعات مع مصر أو طلب هذا الإسهام، خاصة وإن لمصر أدواراً سابقة وتواصلاً مع أطراف سياسية سودانية تؤهلها للعب هذا الدور الذي يصب في مصلحة الاستقرار المنشود.
وعلى هذا المنوال فإن الزيارة التي قام بها الفريق اول حميدتي للسيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي ـ أحد أكبر الأحزاب السياسية والتاريخية السودانية ـ على هامش زيارته لمصر حتى وإن أعلن عن طابعها الاجتماعي فلها انعكاساتها على حراك الوفاق والسلام، خاصة وإن (الاتحادي الديمقراطي) وحركة عبد العزيز الحلو كانا قد وقعا مؤخراً على رؤية سياسية مشتركة … وكل التطلع لرؤية استراتيجية سودانية مصرية مشتركة ،،وإلى الملتقى

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.