حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

وفي حواف الكورونا

شارك الخبر

(1)
دعونا نسأل الله أن يحفظ السودان وأهل السودان، وأن لا تنهمر الكورونا بأرضنا ونكتفي بالخضة التي سببتها لنا الحالة أو الحالتان اللتان حدثتا، ونسأله كذلك أن يرفعها عن كافة المعمورة فحتى كتابة هذه السطور ما زالت الكورونا تعربد في ديار غنية نسبيا في دار أصحاب البسطة في المال والرفاهية والعلم الحديث، وجعلت ساحاتهم ينعق فيها البوم إذ حبستهم في دورهم مرعوبين مثلهم مثل السوريين في إدلب والليبيين في إجدابيا واليمنيين في الجوف. بينما رعاة الضأن في فلوات السودان يجرون في نمهم دون أن يحسوا بأي خطر داهم، فيا لها من حكمة ربانية. هذا (الكونفيد 19 ) في أحد وجوهه كاد أن ينهي الروابط البشرية في العالم المتقدم، فأصبح كل فرد مشغولاً بنفسه ويا روح ما بعدك روح لا بل وصلت اللاإنسانية مرحلة المناداة بأن يترك الشيوخ فوق الثمانين بدون أي رعاية طبية ليوظف الجهد في الأقل عمرا. لا بل شملت الدعوة كل الذين لديهم نقص في المناعة حتى ولو كانوا أطفالا صغارا، وهكذا عادت البشرية لنظرية الانتخاب الطبيعي البقاء للأقوى فقط واختفت أفكار حقوق الإنسان وأصحاب الحاجات الخاصة والذي منه.
(2)
على صعيد العلاقات الدولية أي العلاقات القائمة على المؤسسات وعلى رأسها الدولة فحدث ولا حرج، فالمبارزة بين الصين والولايات المتحدة تجاوزت الحرب التجارية الى عض الأصابع فأصبح ترامب السافر في صلفه ملهاة في الإعلام الصيني – أي التنين الصيني كشر عن أنيابه في أوربا تفركش الاتحاد الأروبي الذي كان مضرب مثل في العمل المشترك وأصبحت كل دولة ونفسها فقط، وهاهي إيطاليا تبكي وتنتحب شاكية من هجر الأشقاء الذين قالوا لها (أكلي نارك براك)، فكل دول الجوار أغلقت حدودها معها . في إسبانيا نسي الناس ميسي والبارسا والريال وكلاسيكو الأرض، في فرنسا انتشر الجيش وكان شعار ماكرون بلا مدنيين بلا لمة، وبريطانيا ست البريكست بدأت في لملمة جيوشها من الخارج بلا عراق بلا لمة، في بعض الدول الأوروبية صدرت الأوامر بأن تصبح مستشفيات القطاع الخاص لا بل كل قطاع الخدمات الذي يسيطر عليه القطاع الخاص تحت تصرف الدولة بلا حرية سوق بلا لمة.
(3)
نحن في السودان رغم أننا مازلنا في مرحلة (حوالينا ما علينا ) ولكننا ندرك جيدا أننا لسنا بعيدين عن الخطر، وان أبوابنا مازالت مشرعة لكافة الاحتمالات وفي تقديري أنه يجب أن يظل الخوف سيد الموقف، وان على الحكومة ان تواصل في سياسة التحوطات التي تجري الآن وبما ان إمكانياتنا من الضعف بمكان إذا وقعت الواقعة لا سمح الله، فلنجتهد في مرحلة الوقاية الحالية أقصى درجات الاجتهاد ولتتوقف أكثر مظاهر الحياة وتتحرك البلاد بالحد الأدنى، ولعله من حسن الصدف ان بلادنا كانت أصلا تسير بالحد الأدنى من المطلوبات، فالأزمة الاقتصادية الخانقة لم يبق لها إلا الإمساك بالجهاز التنفسي فالكورونا الآن أصبحت مثل (البحر الغطى التمد)، وجعلتنا في سرج واحد مع كل البشرية بعبارة أخرى اجتمعت علينا أزمتان فغطت الكبيرة على الصغيرة وأصبح أمامنا احتمالان: الأول أن تفتك بنا الكورونا مع بقية البشرية –لا سمح الله- والثاني أن تنحسر الكورونا ونرجع لأزماتنا القديمة لنجدها اتخذت شكلا جديدا يصعب تصوره.
فالمهم في الأمر ان سودان ما بعد الكورونا سيكون مختلفاً عن سودان ما قبل الكورونا. فخليكم معنا إن شاء الله.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.