عندما تخرج لقاءات “الساسة” السرية للعلن

الخرطوم: عبدالباسط إدريس

ماتزال الزيارة التى قام بها نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان حميدتي إلى مصر، والتسريبات التى سرت عن لقاءات وأجندة سرية بحثها رجل الخرطوم القوي ، مثيرة للتساؤلات الحائرة، لكنها بالمقابل ألهبت ذاكرة المنقبين عن اللقاءات السرية التى جمعت سياسيين ومسؤولين، في حقب وعهود مختلفة، كان القاسم المشترك بينها أنها رسمت معالم لبدايات جديدة، في دنيا السياسة السودانية، رغم الشائع عن أنها بلا أسرار.

حميدتي في القاهرة
زيارة نائب رئيس المجلس السيادي الفريق محمد حمدان حميدتي إلى مصر، رغم أنها كانت معلنة، إلا أنها طغت من حيث أهميتها السياسية، حتى على لقاءات جرت مؤخراً بما في ذلك اللقاء الذى جمع رئيس المجلس السيادي الفريق اول ركن عبدالفتاح برهان برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مدينة عنتبى اليوغندية.
الإهتمام بزيارة حميدتي للقاهرة،ربما ضاعف من أهميته الفتور الملحوظ في العلاقة الرسمية بين البلدين، على خلفية تطورات الأوضاع الداخلية في السودان فضلاً عن شواغل مصر المائية والإقليمية، ورغم أن كافة اللقاءات بين حميدتي والمسؤولين المصريين وعلى رأسهم الرئيس عبدالفتاح السيسي، كانت معلنة، إلا أن الأجندة ظلت محل بحث وإن تم الاتفاق على عدم إعلانها كأحد المبادئ الحاكمة لمثل هذه اللقاءات وطبيعة موضوعاتها، وهنا يقول السفير السابق بوزارة الخارجية الرشيد أبو شامة في تعليقه لـ(السوداني) إن اللقاءات السرية واردة وعادة ما تكون هناك معلومات محجوبة عن الناس، لأن المواضيع السرية المتداولة من غير المعروف ان كان لها قبول جماهيري أم لا، ويضيف :” في حالة زيارة حميدتي إلى مصر هناك موضوعات سرية تم التداول فيها ويصبح من المصلحة العامة أن تظل سرية لأن الإعلان عنها يتطلب اتفاقاً حولها خاصة إن كانت مرتبطة بأطراف أخرى أو غير متسقة مع قواعد القانون الدولي أو مستفزة لطرف أو أطراف أخرى” .
يشير أبوشامة إلى أجندة محادثات سرية عديدة بين الخرطوم والقاهرة، قبل إعلانها في وقت لاحق، خلال حقبة الرئيس الراحل جعفر نميري، بجانب مفاوضات ما قبل حقبة نميري بين السودان ومصر بشأن السد العالي التي أجريت عام 1959 .ويضيف أبو شامة :” في زيارة حميدتي هناك معلومات تفيد بطلب مصري لإرسال قوات من الدعم السريع إلى ليبيا وأعتقد أنه رفض ذلك”.

أشهر لقاء
تحتفظ الذاكرة السياسية بأشهر لقاء جمع الرئيس الراحل جعفر نميري بزعيم حزب الأمة الصادق المهدي في بورتسودان والذي مهد لماعرف بالمصالحة الوطنية عام 1977، يقول القيادي السابق في حزب الأمة د. عبدالرسول النور لـ(السوداني) عن ذلك اللقاء، أنه انعقد في مدينة بورتسودان، بترتيب من رئيس اتحاد أصحاب العمل –وقتها- الراحل فتح الرحمن البشير، وقال عبدالرسول إن الصادق المهدي حضر لذلك اللقاء من لندن، حيث اقتصر اللقاء السري بينه والنميرى وفتح الرحمن البشير والذي تمخضت عنه إتاحة الحريات وإطلاق سراح المساجين، وقال “كنت بينهم أقضي السجن المؤبد في مدينة الدويم “ويضيف :” انخرطت جبهة الميثاق في المصالحة دون قيد أو شرط وكان موقف حزب الأمة في الوسط بينما رفضها الحزب الاتحادي والشريف حسين، وحدث نوع من التعايش بدخول الترابي والمهدى للمكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي استقال منه المهدي لاحقاً”.

لقاء البشير والترابي
بعد عامين من لقاء علي الحاج وعلي عثمان في ألمانيا، بمنزل السفير السابق د. بهاء الدين حنفي، جرى لقاء سري جمع المشير عمر البشير بزعيم الإسلاميين حسن الترابي، خاصة بعد أن أثار اللقاء الأول ردود افعال واسعة في الساحة السياسية.
هندس لقاء البشير مع الترابي في عام 2015 مساعد الرئيس السابق د. إبراهيم غندور، عبر حلقة اتصال ضيقة لم تتجاوز نائب الأمين العام الأسبق الراحل د. عبدالله حسن أحمد ، كان غندور حريصاً على سرية اللقاء وأجندته الخاصة بمشروع الحوار الوطني، واقنع الراحل الترابي أن يتم اللقاء في مقرإ البشير في بيت الضيافة، لضمان سريته خاصة وأن تحرك البشير لمنزل الترابي يتطلب إجراءات بروتوكولية لا تضمن سرية اللقاء ويجعل من مغزى زيارة رجل القصر لدار الزعيم في المنشية مكشوفاً.
تم اللقاء في بيت الضيافة بعد موافقة الراحل الترابي بحضور غندور ود. عبدالله ، قبل أن يجمع بينهما لقاء حزبي موسع في ذات المكان.

ساسة في الإمارات
بعد شهر واحد على سقوط حكم البشير، سرى على نطاق واسع، أن قيادات بارزة من قوى إعلان الحرية والتغيير وبعض قادة الحركات المسلحة، هبطوا في أبو ظبي بدعوة رسمية من حكومة الإمارات، التسريبات لم تتوقف عن تلك اللقاءات التى لم يكشف عن أجندتها الحوارية حتى الآن، ولكنها دمغت أحزاب الأمة القومي والمؤتمر السوداني والحركات المسلحة بما فيها حركة عبدالعزيز الحلو الذي زار الإمارات مؤخراً بتلقى أموال، وهو ما سخرت منه قيادات تلك الأحزاب ونفته جملة وتفصيلاً، فيما لم يصدر سوى توضيح للحركة الشعبية جناح مالك عقار أكدت فيه اهتمام دولة الإمارات بقضية السلام في السودان، أما على المستوى الرسمي فقد قابلت سفارة الإمارات بالخرطوم تلك الادعاءات والمزاعم بالتجاهل.

مهمة في الخرطوم
عقب توتر العلاقة بين الحكومة وقادة الشعبية شمال في المنطقتين، رفض والي النيل الأزرق السابق مالك عقار كافة المحاولات لإقناعه بالحضور إلى الخرطوم، فهم البشير أن عقار يستعد للحرب، في تلك الأثناء تلقت الخرطوم الرسمية اتصالاً من رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي يطلب إخطار البشير أنه سيكون ضيفاً عنده في اليوم التالي برفقة والي النيل الأزرق مالك عقار، دخل كبار المسؤولين في حرج بالغ بنقل الأمر للبشير باعتبار أن الضيف المرافق والٍ ومسؤول عنده، وقد أحيل الأمر وقتها لقيادة المؤتمر الوطني، حيث اقنعوا البشير بضرورة اللقاء تقديراً لمبادرة رئيس وزراء إثيوبيا، وفي بيت الضيافة ترك ملس زناوي البشير وعقار في اجتماع ثنائي لكنهما لم يتفقا بعد تأكيد البشير عدم الانخراط في أي اتفاق آخر سوى ما تم في بروتوكول المنطقتين، وأن تنفيذ الترتيبات الأمنية أمر لا تراجع عنه، فيما تمسك عقار بضرورة الاحتفاظ بقواته لعامين ونصف ليغادر ملس الخرطوم بصحبة عقار.

عودة وزراء الحركة
عندما قررت الحركة الشعبية سحب وزرائها من الحكومة الاتحادية، إبان سنوات الفترة الانتقالية، ودخلت العلاقة بين الشريكين غرفة الإنعاش، عقد القيادي بالمؤتمر الوطني حينها أحمد هارون والقيادي بالحركة الشعبية ياسر عرمان اجتماعاً سرياً، لكسر جمود المواقف.انعقد اللقاء بمكتب الكاتب الصحفي الأستاذ محمد لطيف في مركز طيبة برس الإعلامي .. وهو اللقاء الذي انسحب عنه محمد لطيف بعد أن رحب بضيفيه .. بدأ اللقاء السري في الحادية عشرة مساءً واستمر حتى الثالثة صباحاً ، ليتوج باجتماع ممتد بمنزل نائب الرئيس الأسبق علي عثمان قبل أن تعود المياه إلى مجاريها

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.