فرض الأسعار يؤدي للندرة والتهريب

د/ عادل عبد العزيز الفكي

أصدرت الحكومة قراراً يقضي بتسليم القمح للبنك الزراعي بسعر 3000 جنيه للجوال وزن 100 كيلو جرام. ويعاقب بالسجن والغرامة كل مزارع لا يلتزم بهذا. فيما تتجه وزارة الصناعة والتجارة لفرض أسعار إلزامية على السلع والخدمات ومعاقبة كل مخالف للتسعيرة.
إن إصدار القرارات الإدارية وتنفيذها بالقوة البوليسية في مجالات التجارة في السلع والخدمات، في ظل اقتصاد غير مستقر، نتيجتها الحتمية كما دلت التجارب في مختلف دول العالم، الندرة وظهور السوق السوداء والتهريب.
قوانين تنظيم التجارة وحماية المستهلك تمنع الاحتكار والهدف من ذلك إيقاف المضاربة في أسعار السلع، كما تلزم عارضي السلع والخدمات بالمواصفات التي تراعي صحة المستهلك.
القرار المتعلق بتسليم القمح قسراً لا يستند لفكر اقتصادي أو فلسفة اقتصادية قويمة. السعر التركيزي لأي منتج يجب أن تعلنه الحكومة قبل بداية عمليات الإنتاج بهدف حفز المنتجين، إنه سعر تشجيعي. وعلى ذلك فإن فرض سعر لاحق يعني مصادرة حق المنتجين في الاستفادة من جهدهم وعرقهم، وسوف تكون النتيجة الحتمية لذلك الامتناع عن التسليم، وبيع القمح سراً للتجار، أو تهريبه لخارج السودان.
ما هو السبب الذي دفع الحكومة لاتخاذ قرار معيب كهذا؟ السبب ببساطة هو سياسة الدعم (الغبية)، إذا اشترت الحكومة الجوال بمبلغ ٤٠٠٠ ج مثلاً سيصبح هذا سعراً معيارياً عند حساب تكلفة الدعم. أي أن وزارة المالية ستتكلف قيمة دعم أعلى لأنها مصرة على تسعير قطعة الخبز بجنيه واحد.
الحكومة تخشى زيادة بند الدعم في الموازنة زيادة هائلة لهذا لجأت لهذا الحل الأعرج.
الحل يكون بإلغاء هذا الدعم (الغبي) وترك المزارع حراً يبيع بسعر السوق، باستثناء الذين مولتهم البنوك فعليهم التسليم العيني بسعر توافقي ينظر للسعر في السوق، يمكن لوزارة المالية من ربح البنك الزراعي نفسه، بعد أن يسيَل قمحه، دفع دعم نقدي للأسر المستحقة
لمقابلة الارتفاع المتوقع في سعر قطعة الخبز. من ناحية أخرى فإن محاولة وزارة الصناعة والتجارة فرض أسعار معينة لعدد من السلع والخدمات سوف تكون نتيجته أيضاً الندرة وظهور السوق السوداء. يضربون مثالاً بشركة سودانية كبرى، تنتج دقيقاً مخصوصاً، ودقيقاً لصناعة الكسرة، وزبادي وحليب، وغيرها من المنتجات. يقولون كيف تزيد أسعارها في ظل أزمة فيروس كورونا؟ ولعلهم يفكرون في فرض أسعار على مثل هذه المنتجات، ستكون هذه سياسة خاطئة وعرجاء. إذا فرضت تسعيرة على مثل هذه المنتجات فسوف يكون رد مثل هذه الشركات هو التوقف عن الإنتاج، وبالتالي حدوث الندرة واختفاء السلع من الأرفف.
إذا أرادت الحكومة فرض أسعار محددة لعدد من السلع فعليها التدخل الإيجابي في تكاليف هذه السلع.
لا بد من عمل عميق ومرتب وموجه يتم من خلاله احتساب تكاليف الإنتاج الذي يشمل سعر الجنيه السوداني مقابل العملة الأجنبية، وتكلفة الجمارك والضريبة على القيمة المضافة، وتكلفة الترحيل، وتكاليف الرسوم المحلية المفروضة من الولايات والمحليات، ونسبة ربح المورد وتاجر الجملة وتاجر القطاعي. من بعد ذلك يمكن إلزام المصنِع بسعر يوضع على عبوة السلعة.
والله الموفق.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.