المعليق .. تفاصيل حريق أشعله نزاع حول الأرض

المعيلق : ابتهاج متوكل

رغم صراخ الأطفال وعويل السماء ونداءات الاستغاثة من كبار السن من الرجال، وتعالي أصوات الحيوانات المختلفة، لم يوقف معتدي مدينة المعيلق بالجزيرة، من حرق ٢٤ منزلاً بممتلكاتها في عصر الجمعة الماضية. وذلك بحسب إفادات شهود عيان. وقالوا إنهم “سمعوا نداءات بمكبرات الصوت بمساجد المنطقة تدعو للخروج لإزالة السكن العشوائي”، مؤكدين بأن الأراضي اشتروها بحر مالهم وفق المستندات.

تفاصيل ليلة الحريق
شاهد عيان وقيادي بالمنطقة، هارون سليمان عيسى، يحكي تفاصيل ما قبل الهجوم وإحراق المنازل، وقال إن الخلاف حول الأرض يعود إلى أن هؤلاء المواطنين اشتروا هذه الأراضي من حر مالهم، من الملاك الأصليين الذين لديهم شهادة بحث للأرض منذ عام ١٩٢٥م، وزاد الفترات الماضية شهدت مناقشات حولها، وكان رأي الجميع الاحتكام للقانون، وحدثت مشادات كلامية وتم فتح بلاغات في الشرطة في هذا إلأمر، بنحو ثلاث مرات، ولكن الوضع ظل كما هو (لا حياة لمن تنادي)، وهؤلاء المواطنون ” لا حول لهم ولا قوة”. حتى وصلت مرحلة الحريق.

خسائر واستهداف
ويروي هارون، بأن تفاصيل الحريق تعود إلى ظهر الجمعة الماضية بدأت بالقبض على ٧ رجال من الحي دون معرفة الأسباب الحقيقية، بعد صلاة الجمعة وسمعنا نداءات بمكبرات الصوت بمساجد المنطقة تدعو للخروج لإزالة السكن العشوائي، وعند حلول عصر الجمعة اعتدى مجموعات كبيرة من الرجال والشباب على المربع.
وتم حرق ١٧ منزلاً كاملاً بأثاثها وأموال وذهب، و المواشي من الضأن والماعز والمحاصيل، وسائل الحركة المواتر والحمير، إلى جانب ٧ منازل أخرى حريق جزئي، وأشار إلى أن حجم الخسائر الأولية قدر بـ (١٧)مليون جنيه، مشيراً إلى أن المواطنين لم يصلهم أي إخطار من جهة مختصة، وهم يسكنون منذ أعوام، ولم تحدث أي خلافات ومعظمهم يعمل في الزراعة والتجارة.

تخطيط مسبق
شاهد عيان آخر محمد آدم ، قال إنه منذ شهر تصاعد الحديث عن الأرض، وكان الرد هناك مستندات تثبت حقنا، ويجب بأن نتحاكم للقانون، وشهدت ذلك اعتداءات على بعض الأفراد والنساء، وتم فتح بلاغات لدى الشرطة، ولكن لم يحدث شيء، وأضاف : يوم الاعتداء تم الاتصال بشخصي لضرورة الحضور لقسم الشرطة، ” وتساءلت عن السبب شكوى ولم أجد رداً”، وعندما وصلت وجدت هناك مجموعة من نساء الحي في الانتظار، بينما بعض الرجال داخل الحبس، وتابع ” عرفت أن هناك” أمراً يدبر “، ظللت في” ترقب وحيرة “، وبعد العصر” سمعت صراخ وعويل النساء،” ومن ثم علمنا أن المربع تم حرقه، وأكد آدم، بأن أهل الحي صاروا في ” العراء أطفال ونساء وكبار سن، لا يملكون الزاد ولا المال” ، وأردف قائلاً بأن الأهل تنادوا من المناطق المجاورة لتقديم الأكل والشرب، وتم عمل خيم وصيوانات لإيواء أهل الحي، ولم يصل مسؤول للمنطقة، طيلة الأيام التي أعقبت الحادثة.

إشعال الفتنة
وقال شاهد عيان مصطفى ضيف الله، إن بعض المعتدين قاموا برمي الأطفال في النار إلا أنه تم إنقاذهم، وتعرضت ممتلكات مواطني الحي للنهب، وحرقت المواشي والمحاصيل، ولم يستجب أحدهم لنداءات استغاثة النساء والأطفال وكبار السن، حيث كانت هناك امرأة تنادي لإنقاذ بنتها المعاقة مما استدعى ” كسر الشباك وانقاذها من الموت بالاختناق”، مشدداً على أن المعتدين “تجردوا من أي إنسانية ورحمة”، ولوح بأن الفتنة أشعلها بعض رجال لجان المقاومة الذين كانوا في السابق ” مؤتمراً وطنيا حيث امتطوا المركب من جديد” بحسب قوله، وأشار إلى أن مخطط أجندة وإشعال فتنة ، يستهدف إجلاء هؤلاء الأفراد.

تحت السيطرة
مدير قسم شرطة المعيلق، الرائد إبراهيم دليل، تم إرساله من الخرطوم أمس الأول، لإدارة القسم عقب الحادثة، وقال إن هناك أكثر من ٦٦ بلاغاً بالقسم تتعلق بالأراضي السكنية وبعض الخلافات مع لجان المقاومة، وسكان المنطقة حول السكن العشوائي وأضاف: الشرطة حركت إجراءات وفتحت ٦٨ بلاغاً تتعلق بالأراضي، بتوجيه من النيابة وتم وضع بعض المواطنين في الحراسات حول بلاغات الأراضي، كما تم اتخاذ الإجراء ضد المجموعة المعتدية، وأضاف: الآن البلاغات قيد التحري مع المتهمين والشهود، وكل من لهم ضلع في هذه الجريمة سيتم استجوابهم، وأردف قائلا إننا أشرفنا على البلاغات بتيم تحرٍ محترف، بإشراف وكيل النيابة، وتم تحويلها إلى محلية الكاملين. وأعلن عن إيقاف، ٣٦ متهماً، تحت المواد ١٨٢ إتلاف، ٦٨ حماية الأراضي، والمادة ٦٩القانون الجنائي، منوهاً إلى أن كل متورط سيقدم للمحاكمة، وتم تشكيل لجنة تحقيق برئاسة مدير شرطة محلية الكاملين، لأفراد الشرطة بوحدة المعيلق، مؤكداً السيطرة على الوضع الأمني وأن المتضررين تجاوبوا مع الشرطة رغم النكبات التي حدثت، ولم يحدث أي انفلات.

إدانة واعتذار
قال ممثل والي الجزيرة ومدير عام وزارة الرعاية الاجتماعية قمر الدولة أحمد إبراهيم إن حكومة الولاية تفاجأت بهذا الحادث، ووصفه بـ(الدخيل على مجتمع الجزيرة، ولا يشبه التعايش السلمي) بالإقدام على حرق المواطنين والحيوانات، واعتبره مخالفاً للأعراف والدين، وأدان الحادث مطالباً بمعاقبة المدانين بعد إجراء التحقيقات عبر القانون، قاطعاً بعدم وجود كبير على القانون.

واعتذر لعدم حضور والي الولاية، لأنه في مهمه خارج الولاية، لمواساة المواطنين، مؤكداً القبض على الجناة وبدء التحقيق معهم، وشدداً على ضرورة نبذ العنصرية والجهوية، وزاد الولاية تمثل كل أبناء السودان، وما حدث ينافي أخلاق مواطنيها، ورتق النسيج الاجتماعي وتصافي النفوس مع الأخذ بالقانون، وأمن قمر الدولة، على سلوك مواطني الكنابي بمنطقة المعيلق قائلاً رغم هذه الأحداث المؤسفة ، إلا أنهم يعيشون في تسامح ورضا، وهم يعملون في مجال الزراعة منذ سنين طويلة، مشيراً إلى عدم السماح بتكرار هذه الأحداث .

المسار القانوني
الرأي القانوني شدد، على ضرورة إحكام سيادة الدولة، لأنها مسؤولة عن بسط الأمن وتحقيق العدالة، وقال القانوني سعد النور رمضان، إنه “يأسف لما حدث”، قال “لدى الدولة قانون نتحاكم ونلجأ إليه عند الضرورة”، موضحاً بأن الحادثة تظهر تدبير واشتراك واعتداء واختلاف وكلها مسائل جنائية، وستكون هناك مطالبة بتحقيق العدالة المعنوية والمادية، ويجب أن يأخذ المجرم عقابه، مشدداً على أنه في حالة المجموعة العدلية لم تؤدِ ادورها وسيتم تصعيد الأمر للمركز، وسنمضي في التقاضي لأعلى الدرجات لرد الحقوق.

تحذيرات ومطالبات
هذه الأحداث دفعت جمعية خريجي قرى وكنابي الجزيرة لعقد مؤتمر صحفي للوقوف على حقيقة الموقف، وأعلنت الجمعية على لسان رئيسها سليمان عبدالكريم، عن إدانة وشجب حادثة الحريق، واعتبرها ” استهداف ممنهج “، وليس إزالة حي عشوائي لأن الأرض تم شراؤها من حر مال المواطنين،، موجهاً رسالة لمسؤولي حكومة ولاية الجزيرة، بأنهم لم يتفاعلوا مع الحدث كما يجب، وأن مسألة الاعتداء تكررت في الجزيرة في مناطق مختلفة خلال الفترة الماضية، ولكن هناك تباطؤاً من قبل السلطات المسؤولة لحسمها، مؤكداً بأن على الجمعية ” أن تغض الطرف في حالة سير الأمور في هذا الاتجاه”، والحقوق تسرد بالقانون، منوهاً إلى أن المنطقة تشهد تعايشاً سلمياً بين القبائل المختلفة، وما حدث “شيئاً مؤسفاً جداً”، إضافة إلى أن الشرطة مهمتها حماية الجميع وتنفيذ القانون.

واستنكر رئيس منظمة سيدام الخيرية، محمد آدم محمدين، الحادثة، واصفاً إياها بأنها ” لا تشبه الخلق الإنساني “، وقال إن عملية إزالة المساكن من اختصاص الدولة، ولا يمكن لبعض أفراد من رجال المقاومة، “يحرقون منازل” على حد قوله، في سلوك يتنافى مع كل المواثيق الدولية، وانتقد وجود قصور من قبل بعض أجهزة حكومة الولاية، بأن يصل الأمر حد الحرق، داعياً قوى الحرية والتغيير، لإعادة النظر في لجان المقاومة بالمنطقة، مشيراً إلى أن دورهم الأساسي مساعدة المواطنين، وليس النظر والفصل في قضاياهم حيث هناك قانون للدولة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.