مجهولو فض الاعتصام من الوفاة في ظروف غامضة إلى جريمة ضد الإنسانية

الخرطوم: محمد أزهري

(مما يبعث الأسى) عبارة منتقاه من فحوى قرار لجنة تحقيق (اختفاء الأشخاص)، في قضية الجثامين الثلاثة لمفقودي (فض الاعتصام)، الذين قبروا بعد التشريح وأثارت قضيتهم الرأي العام.
اللجنة عبرت قائلة “مما يبعث الأسى أن لا تجد لجنة التحقيق سوى عدد لا يتجاوز 7 ورقات هي مجمل التحقيقات التي تمت بشأن هؤلاء المجهولين في كل الإجراءات المذكورة في جريمة بالغة الخطورة عقوبتها الإعدام”.
اللجنة صنفت الجرم قتلاً عمداً وجريمة ضد الإنسانية في أقوى قرار تتخذه لجنة تجقيق منذ كارثة فض الاعتصام، وبذلك تكون قد ألقت بالكرة في ملعب لجنة “أديب”.

جريمة ضد الإنسانية
مقرر لجنة تحقيق اختفاء الأشخاص ويقصد بها (مفقودي فض الاعتصام) المقرر وكيل النيابة “أحمد سليمان العوض” ، لجنة التحقيق هذه شكلها النائب العام تاج السر الحبر بقرار رقم 9 لسنة 2019، برئاسة الطيب أحمد محمد العباس المقرر “سليمان” أسس على ما حقق فيه لفترة زمنية ليست قصيرة قراراً ، تحصلت عليه (السوداني)، القرار الذي صدر بشأن الثلاثة جثامين لمجهولي الهوية أحدهم تعرف عليه لاحقاً، يقول: (تقييد دعوى تحت أحكام المواد (130/186/21) من القانون الجنائي لسنة 1991 وتعديلاته في الإجراءات (214- 215) بقسم شرطة البراري والإجراءات 215 بقسم شرطة الأزهري شرق.
يعلن أولياء دم المجني عليه “عمر عبد الله بابكر” وتتولى النيابة العامة الولاية في مجهولي الهوية الذين لا ولي لهم عملاً بأحكام المادة 4/ز من قانون الإجراءات الجنائية).
يضيف القرار (تخطر لجنة التحقيق الوطنية المستقلة بصورة من القرار
وتقييد الدعاوى الجنائية بقسم شرطة الخرطوم شمال وتعاد الأوراق للسير في الإجراءات).
الوقائع
3/6/2019 هذا التاريخ أحضر فيه اثنان من المجني عليهم (مجهولي الهوية من منطقة اعتصام القيادة العامة إلى مستشفى رويال كير، وهناك توفيا، أعلنت وفاة أحدهما عند الساعة 8:30 صباحاً، وحرر أورنيكا 8 جنائي للمتوفيين ثم أحيلا إلى مشرحة بشائر، في مساء ذات اليوم أحضر المجني عليه الثالث (آدم أدومة) إلى المستشفى وأعلنت وفاته عند الساعة 11:30 مساءً حرر له أورنيك 8 جنائي بإعلان الوفاة بالآثار الأولية على الجثة وأحيل إلى المشرحة لمعرفة سبب الوفاة وقيدت الإجراءات تحت المادة (51) بقسم شرطة البراري في فجر 4/6/2019.
بدء التحقيق
1/12/ 2019 هذا التاريخ بدأت فيه لجنة المفقودين التحقيق واستمعت إلى تقرير لجنة سابقة في دفن الجثامين الثلاثة بتاريخ 5/12/ 2020م، بناءً على طلب اللجنة استلمت أصل البلاغات المذكورة بموجب خطاب رئاسة النيابة العامة قطاع الخرطوم وباشرت اللجنة التحقيق فيها.
اللجنة خاطبت في 7/1/2020 مدير مشرحة بشائر لمدها بأصل تقارير التشريح لكنها تسلمت التقارير بعد نحو شهر من طلبها للمشرحة، بتاريخ 9/16/1/ 2020، استدعت اللجنة المبلغ والمتحرين في البلاغات الثلاث بقسم شرطة البراري بقسم شرطة الأزهري شرق لأخذ أقوالهم في محضر الإجراءات، ثم خاطبت الإدارة العامة للأدلة الجنائية لمدها بتقارير البصمة الوراثية للجثامين الثلاثة.
الإدارة العامة للأدلة الجنائية أرسلت رداً متضمناً الإشارة إلى الإجراءات رقم 215 تحت المادة 44 إجراءات بنيابة جبل أولياء المبلغ فيه عبدالله بابكر هدى الحاج، وأثبتت تطابق العينات بين والدي المرحوم (عمر عبد الله بابكر) وعينته المأخوذة منه وفق فحص البصمة الوراثية وتم التعرف عليه.
7 ورقات
لجنة التحقيق وصفت التحقيقات الأولية التي أجرتها الشرطة حيال المفقودين وصفاً دقيقاً في قرارها بأن قالت (مما يبعث الأسى أن لا تجد لجنة التحقيق سوى عدد من الأوراق لا تتجاوز 7 ورقات هي مجمل التحقيقات التي تمت بشأن هؤلاء المجهولين في كل الإجراءات المذكورة في جريمة بالغة الخطورة عقوبتها الإعدام).
ولي من لا ولي له
اللجنة وضحت في قرارها أن المادة 4 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 نصت على مبادئ تراعي الفقرة (ز) النيابة الجنائية ولي المجني عليه الذي لا ولي له، وأضافت كذلك المادة (32) من القانون الجنائي لسنة 1991 أولياء المجني عليه الذين لهم الحق في القصاص الفقرة 3 أن الدولة ولي من لا ولي له، أو من كان وليه مجهول المكان أو غائباً لا ترجى عودته.
حماية الإنسان
السياسة الجنائية حسب ما حمل القرار الذي تحصلت عليه (السوداني) بوجه عام أنها لا تقتصر على تحديد المبادئ اللازمة لمنع الجريمة وتوقيع العقوبة المقررة لها، وإنما تمتد أيضاً إلى تحديد مبادئ التجريم، وتبين حدود المصالح الاجتماعية التي تشملها الحماية الجنائية وأهم هذه المبادئ الواجبات الملقاة على عاتق الدولة نحو الأفراد فهي أسبق في الوجود وأسمى من حقوق الدولة عليهم، وأن الدفاع الاجتماعي يضع كل ثقله لحماية الإنسان ككائن اجتماعي كرمه الله تعالى، وأن السياسة الجنائية في الدولة بفروعها (سياسة التجريم – سياسة العقاب – سياسة المنع) تهدف في الأساس إلى حماية المصالح الاجتماعية الكلية وهي تدور وجوداً وعدماً مع حقوق الإنسان وأول هذه الحقوق هو الحق في الحياة لذا كانت الدولة ممثلة في النيابة العمومية ولي من لا ولي له.
حقائق ثابتة
لجنة التحقيق في قضية مفقودي فض الاعتصام توصلت إلى حقائق ثابتة أولها أن المجني عليهم أصيبوا في منطقة القيادة العامة بتاريخ أحداث فجر 3 يونيو 2019 وأسعفوا إلى مستشفى عقب ذلك، وكشفت حسب تقريرها عن أن هناك هجوماً ممنهجاً واسع النطاق ضد مدنيين وقع في تلك المنطقة فجر ذلك اليوم أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى والمختفين قسرياً، وأن الإصابات التي ارتكبت في حقهم أدت إلى إزهاق أرواحهم، وذهبت اللجنة إلى أن الأقوال التي أخذت وقت الحادث (أقوال البلغ) و(المتحرين) تؤكد الوقائع.
ماذا قال التشريح
الثلاثة جثامين عرضت على الطبيب الشرعي بمشرحة بشائر حينها وجاءت النتيجة تهشم عظم الفخذ الأيمن وتهري العضلات وتهتك الشرايين والأوردة والنزف بواسطة طلق ناري، فضلاً عن الكسور التهشمية الواسعة بعظمة الفخذ الأيسر وتهتك الأوردة والشرايين والنزف بواسطة طلق ناري، إلى جانب الجروح المتعددة بفروة الرأس والضرب الشديد المتكرر والنزف الحاد بواسطة جسم صلب.
قصد الجاني
اللجنة شرحت شرحاً وافياً تأسيساً لقرارها وقالت إن المادة (130) من القانون الجنائي لسنة 1991 نصت على أن يعد القتل قتلاً عمداً إذا قصد الجاني (قصد) الفعل وكان الموت نتيجة راجحة لفعله وعرفت المادة (3) من ذلك القانون كلمة (قصد) يقال عن الشخص أنه سبب الأثر قصداً إذا سببه باستخدام وسائل أراد بها تسبيبه أو كان وقت استخدامها يعلم أنها تسبب ذلك الأثر أو كان لديه ما يحمله على الاعتقاد بأن يحمل أن تسببه، وكذلك عرفت كلمة (نتيجة راجحة) يقال عن الشيء أنه نتيجة راجحة للفعل إذا كان الفعل أو الوسيلة التي استخدمت فيه مما يؤدي إلى حدوث النتيجة في غالب الأحوال وواقعة القتل العمد ضد شخص أو أكثر لا شك تشكل جريمة ضد الإنسانية متى ما ارتكبت وكانت مقترنة في إطار هجوم واسع النطاق أو ممنهج ضد أية مجموعة من المدنيين وعن علم بالهجوم آخذين في الاعتبار الحق العام في المادة (186) والحق الخاص في المادة (130) من القانون الجنائي لسنة 1991 وتعديلاته وإرتباط الأفعال ترابطاً يجعلها تشكل أكثر من جريمة وفق ما تقضي به المادة (149) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991.
ثلاثة
حسب نص القرار فإن الأفعال المتصلة بالقتل لا تعدو فعلا من ثلاثة، فهي أما “مباشرة” أو “سبب” وإما “شرطاً”، ويعرف الفقهاء المباشرة بأنها ما جلب الموت بذاته، ويعرفون السبب بانه ما أثر في التلف ولم يحصله، أي ما كان علة في الموت ولكنه لم يحصله بذاته، وقد تتعدد المباشرة وكذلك السبب وإذا كان الجاني واحداً كان فعله أما مباشرة أو تسبباً، وإذا تعددت أفعال الجاني أو تعدد الجناة تبعاً لذلك أفعال المباشرة والتسبب وقد تكون الأفعال جميعها مباشرة كما هي الآن، وقت تكون جميعها تسبباً وإن تعددت أفعال الجاني المباشرة فسواءً كانت كلها قاتلة إذا تعددت أو بعضها فقط فهو القاتل، سواء وقعت مجتمعة أو متعاقبة فالجاني مسؤول عن القتل العمد ما دام فعله أو أفعاله من شأنها إحداث الموت، أو أنها أدت إليه فعلاً فالمباشر والمتسبب مسؤول عن فعله لأنه علة الموت سواء كان القرار فردياً أو جماعة.
توافق الإرادة في القتل
مقرر لجنة الأشخاص المفقودين مولانا “أحمد سليمان العوض” ذهب في قراره قائلاً من المتفق عليه بين الفقهاء الأربعة أن القتل المباشر على الإجماع إذا قامت جماعة بقتل شخص في وقت واحد بأن توافقت إرادتهم على القتل وقت الحادث فقط فإن كل منهم يعتبر قاتلاً عمداً له، إذا كان فعل كل منهم يمكن تمييزه وكان على انفراد له دخل في أحداث الموت، ولا عبرة بالتفاوت بين الجناة في عدد الجراح وفحشها فكل منهم مسؤول عن القتل العمد ما دام أحدث جرحاً به في أحداث الوفاة.
يضيف القرار يعتبر مالكاً رحمة الله متمالئاً كل من حضر الحادث وإن لم يباشر الفعل إلا أحدهم أو بعضهم لكن بحيث إذا لم يباشرهم هذا لم يتركه الأخر فهو يعتبر متمالئاً كل من حضر بشرط أن يكون مستعداً لتنفيذ ما اتفق عليه.
القتل على التعاقب
اللجنة استرسلت في قرارها موضحة أن القتل المباشر على التعاقب يفرض أنه ثمة توافق ولا تمالؤ بين الفاعلين وأنهم يرتكبون الفعل منفردين على التعاقب لا مجتمعين كما هو الحال في القتل على الاجتماع، وحكمه أنه إذا قام أكثر من شخص بقتل واحد فإن كل منهم يعتبر قاتلا له إذا كان فعل كل منه يمكن تمييزه، وكان على انفراد له دخل في أحداث القتل فإذا جرح أحدهم وجرح آخر عشر جرحات فكلاهما مسؤول عن قتله عمداً ولا عبرة بكثرة الجراح ما دام كل جرح له أثره في أحداث الوفاة ولأن الإنسان قد يموت بجرح واحد ولا يموت بجراحات كثيرة.
فوق كل شك
مقرر اللجنة ختم قراره بإثبات جريمتي القتل العمد والجريمة ضد الإنسانية في الحالات الثلاث قائلاً لقد توافرت في هذه الدعاوى بينات على درجة كبيرة من الوفرة تثبت فوق كل شك معقول قيام عناصر القتل العمد، فقيام الفعل والنتيجة ورابطة السببية بينهما تعتبر مؤيدة لأفتراض القصد الجنائي، وأنه لمن المُسلم به عن القصد الجنائي أن الذي يقوم بإطلاق نار على شخص أو ضربه ضرباً متكرراً بجسم صلب على رأسه أو في مكان قاتل لا بد أن يكون قد قصد أن يودي بحياته أو على الأقل كان يعلم بأن الموت نتيجة راجحة لفعله وأن اكتمال مقومات القتل العمد والجريمة ضد الإنسانية لا يحتمل أي مغالطة ولا سبيل إلى معارضة في هذه الوقائع فإنه من المُسلم به أن حظر الجرائم ضد الإنسانية قاعدة آمرة في الشريعة الإسلامية قبل أن تكون آمرة في القانون الدولي.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.