نافذة على شمال كردفان

محمد التجاني عمر قش

أنا من الذين يؤمنون بأن “الجري قبل الشوف قدلة”؛ بمعنى أن الإنسان يجب عليه أن يُعد الخطة المطلوبة، مع الاستعداد التام قبل حدوث النوازل، أو مواجهة العدو، أياً كان. وهذا المثل ينبغي أن يضعه متخذو القرار والتنفيذيون نصب أعينهم؛ خاصة في هذا الزمن الذي تتسارع فيه الأحداث بشكل غير مسبوق. وأنا أكتب هذا المقال، أفادت بعض التقارير أن فيروس كورونا قد وصل حتى إدارية جريجخ، التابعة لمحلية بارا، التي تبعد عن حاضرة الولاية بحوالي 60 كيلو فقط، وهذا يستوجب أن تكون خدماتنا الصحية على أهبة الاستعداد حتى تسيطر على الوضع بقدر المستطاع، نسأل الله اللطف. وهنا لابد من لفت الانتباه إلى ضرورة تطوير مراكز صحية ريفية لتساعد في تقديم الخدمات الطبية والصحية لأهالي المنطقة دون الاضطرار للسفر إلى الأبيض أو أم درمان، مع العلم أن سعر تذكر السفر من بارا إلى العاصمة قد ناهز ألفي جنيه عداً نقداً، “يعني مليونين” وهذا يزيد من عبء المعيشة على المواطن المغلوب على أمره، ليس فقط بسبب كورونا أو حظر السفر؛ لكن لانعدام الوقود تماماً.
وعلى صعيد متصل، لا يزال طريق الصادر، “أم درمان- جبرة –بارا”، يجأر بمر الشكوى من الإهمال، فالجزء الذي جرفته السيول في الخريف السابق، لم تتم صيانته حتى الآن، وما زالت الجهود المبذولة دون المستوى المطلوب لإصلاح الأعطال، والطريق فاغر فاه ليحصد مزيداً من الأرواح، كل ما طلعت شمس يوم جديد! نحن نعلم أن سعادة الوالي يسعى هذه الأيام لمعاجلة المشكلة، ولكن الآن بدأ شهر أبريل والخريف لم يتبق عليه إلا أيام معدودة، وأعمال الطرق، بشكل عام، تحتاج وقت ومال “وجرية قبل الشوف”، فهل حكومة ولايتنا تدرك ذلك؟ أم أن أمورها تسير على نهج ما يحدث في السودان في هذا الزمن المملوخ، الذي لم يعد الحكام فيه يهتمون بهكذا أمور؛ حيث أنهم منشغلون بتمكين الأصحاب والأقارب وأعضاء الشلل، تحت ذريعة تفكيك النظام السابق.
وحسبما علمت من مصادر ذات صلة، فإن بعض مزارعي شمال كردفان؛ وتحديداً في منطقة الخيران، التابعة لمحليتي بارا وغرب بارا، قد قرروا التوقف عن العمل في مزارعهم، بعدما عجزوا عن شراء الديزل، الذي هو الوقود الوحيد المستخدم في معظم تلك المناطق، حيث لا كهرباء ولا طاقة شمسية، وكأننا لسنا جزءًا من السودان، فالشبكة القومية لا تتعدى سواقي بارا حتى الوقت الراهن! وأحياناً نسمع أن المحليات قد خصصت كميات من الوقود للمزارعين عبر محطات توزيع، تنتشر في بعض القرى، ولكن الشيء المؤسف أن ما يصل إلى المزارعين، من تلك الكميات، لا يكاد يذكر؛ فهنالك شبكة عميقة من المستفيدين صار لها نصيب مفروضاً من كل حصة وقود، تصدقها الجهات المختصة، في غياب تام لكل أجهزة الرقابة. فيا ليت أن حكومة الولاية لا تعتمد على ما يرد إليها من تقارير وتتحقق من الأمر عبر من تثق فيهم من عناصرها.
ومن جانب آخر، ثمة مناطق واسعة من شمال كردفان؛ خاصة دار الريح، تعاني هذه السنة من نقص مريع في الذرة والدخن، إذ أن الموسم السابق، مع كثرة الأمطار، لم يكن ناجحاً، فهنالك الآن فجوة غذائية وشح في المرعى والعلف، والصيف على الأبواب، ولا نرى في الأفق أي تحرك رسمي لتدارك الوضع قبل أن يصل السيل الزبى، وتبدأ موجة جديدة من النزوح نحو أطراف المدن، وتتكرر تلك التجارب الأليمة التي يعرفها كل من عاش أيام الثمانينات من القرن الماضي، عندما حدثت تلك الهزة الاجتماعية الكارثية التي لم يتعافى منها النسيج الاجتماعي حتى يوم الله. وهل تمتلك حكومة الولاية مخزون استراتيجي يكفي حتى الموسم القادم، أم على الناس أن “يسردبوا وبس”؟ والله يكون في العون.
ومن مشاكل الولاية المزمنة، مشكلة مياه الأبيض، التي أطلت برأسها مرة أخرى، رغم الجهود التي بذلت لحلها سابقاً. هنالك الآن فرصة سانحة لمعالجة هذه المشكلة، ربما بشكل جذري، وبأقل تكلفة عن طريق حصاد المياه من المصادر الجنوبية باستخدام طرق علمية حديثة، وتعظيم الاستفادة من المصادر الشمالية بالاستغلال الأمثل لمياه حوض بارا، وتجديد شبكة المياه الداخلية في كل أحياء المدينة في وقت قياسي، إذا استطاعت حكومة الولاية تقديم ضمانات بسيطة إلى الشركات الرائدة، التي من ضمنها شركة غيثار للمقاولات المتكاملة، التي تمتلك كل القدرات المطلوبة لتنفيذ هذا المشروع الحيوي، مع مراعاة الشفافية المطلوبة عند طرح مثل هذه المشاريع الكبرى. هذه الشركة لديها القدرة لحفر الآبار، وإدخال مضخات تعمل بالطاقة الشمسية، الأمر الذي يخفض تكلفة الإنتاج ويحافظ على البيئة في ذات الوقت. وكما هو معلوم، إذا لم نستطع توفير مياه الشرب، يجب ألا نتحدث عن أي إنجاز آخر.
وهنالك قضايا إدارية ظلت عالقة منذ زمن، ولذلك نرجو من الأرباب سعادة اللواء الصادق كركسي أن “يدي توتال أم رشايم حومة” بنفسه، أي أن يقوم بجولة حول ولايته للتأكد من الأمور المذكورة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.