البداية كرونا

أيمن مزمل

الوجدان الشعبي السوداني مليء بالمقولات والمعتقدات غير الصحيحة والتي تحتاج الى مزيد من البحث والتدقيق، ولربما قد تجانبني الحصافة والحكمة أن ابتدئ دخولي لعالم الصحافة (بقدمي اليمنى) بمقال صادم يجابه إيمان الناس بمقولة متحجرة في أذهانهم، بسببها قد أفقد قارئين (من اولها) كأن أهمس في آذانهم ان المقولة الشهيرة لعميد الأدب العربي طه حسين قد تحورت من (القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ) الى (والخرطوم تقرأ) اعتقد أن قليلا من النفاق الاجتماعي مطلوب. وحتى أصل الى مرحلة التمكين الاجتماعي سوف اكتفي بما يتناقله الناس عن الأخ المستجد كورونا…!!!
فايروس كوفيد ١٩ (ابن وسليل عائلة آل كورونا وهي أحد بطون قبيلة الفايروسات التاجية) لم تتمكن مراكز الأبحاث حول العالم بعد من الوصول إلى حقائق علمية واضحة بخصوصه. ولذلك امتلأت الأسافير بالعديد من الفرضيات غير المثبتة بصورة علمية حتى اللحظة. التجربة الصينية في التعامل مع الفايروس والتي كان لها أثر عظيم في تراجع عدد الإصابات أصبحت هي الأساس التي تعتمد عليها منظمة الصحة العالمية في بروتوكولاتها وفي تعميمها لبقية دول العالم. إلا أن الوجدان الشعبي (السوداني) امتلأ بالمعتقدات التي قد يكون هناك مرتكز بدأت منه تلك المعتقدات، أو قصص مختلقة بالكامل. بالطبع فكرة أن الفيروس هو صنيعة بشرية في مختبر للأسلحة البيولوجية أمر لم يختلقه السودانيون وإنما ارتكزوا الى ليجان زاهو، نائب رئيس إدارة المعلومات بوزارة الخارجية الصينية والذي صرح باحتمالية أن يكون الجيش الأمريكي هو من جاء بفيروس كورونا الجديد “كوفد-19” إلى منطقة ووهان في الصين، التي تعتبر المنطقة التي بدأ وانتشر منها الفيروس. قبل ذلك التصريح تداول الناشطون السودانيون احتمالية أن تكون الصين نفسها هي من تقف خلف ذلك الفايروس رغبة منها في إخراج الشركات الأمريكية من السوق الصينية ردا على الحرب التجارية الضروس من قبل الرئيس الأمريكي ترامب على الصين منذ العام ٢٠١٩م. محبو نظرية المؤامرة استندوا كذلك الى تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية (علي خامنئي) والذي صرح في بداية الأزمة بأن إيران تتعرض لهجوم بايولوجي حينما ارتفعت حالات الإصابة في ايران بوتيرة متسارعة في بدايات الأزمة. ولذلك تحورت أغلب تلك التصريحات إلى بعض المعتقدات وأصبحت متداولة على السوشال ميديا مثل أن هذه الفيروسات في حقيقتها ما هي إلا غاز موجود في الهواء يسبب ضيق النفس سوف يختفي مع الوقت!!.
ما يجعلني غير ميالا لوجود تآمر هو تأثر كل دول العالم بهذا الفايروس دون استثناء. حيث وصلت أعداد المصابين في أمريكا الى حوالي 213 الف حالة في أمريكا، 81 الف حالة في الصين، 5 آلاف حالة في إسرائيل (عند كتابة هذا المقال وقابلة للزيادة على مدار اللحظة) لنجعلنا نتساءل من هو المستفيد؟ وماهي الدافعية؟ في ظل انهيار اقتصادي عالمي متوقع. حتى عصابات المافيا الإيطالية قدمت مساعدات مشهودة للحكومة الإيطالية لمعرفتها ان الوضع أخطر من مجرد فايروس. انهم يعلمون ان الأمر قد تمدد وأصبح مهددا لبقاء الدولة مما ينعكس على وجودهم وبقائهم وأنشطتهم الإجرامية. شخصيات عالمية وممثلون وسياسيون وملوك وأمراء أصيبوا بهذا الداء من أبرزهم ملكة بريطانيا وولي عهدها ورئيس الوزراء البريطاني. اكثر من هذا تم إصابة وزير الصحة الإسرائيلي وبسبب مخالطته لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو دخل الأخير الحجر الصحي ومعه مدير المخابرات الإسرائيلية الموساد.
بالتأكيد لن أتوقف كثيراً عند القصص الشعبية والتي تلوكها الألسن من قبيل الطفل المعجزة والذي أمر الناس بشرب الشاي خالي السكر، وصاحب الفاكهة والذي نصح الناس بشراء بضاعته الكاسدة فيما يبدو تحت غطاء فائدتها للكورونا. لكن دعونا نصل الى فرضية متداولة مثل أن الكورونا قد تصيب الرجال أكثر من النساء والأطفال. الحقيقة ان الدكتور احمد إسماعيل استشاري طب النساء والتوليد المقيم في العاصمة البريطانية لندن قد أجاب على هذا في لقائه بقناة بي بي سي العربية بملاحظة إحصائيات الأعداد المصابة في إيطاليا حيث افاد بأن نسبة التدخين لدى الرجال أعلى منها لدى النساء وعليه فانه يعزو الاصابة الأعلى بسبب ان الرئة للمدخن تكون في الوضع الأسوأ عند التعرض للفايروس بمقارنة غير المدخن. حديث يبدو منطقيا بالرغم من أن الطبيب يؤكد ان الأبحاث على كورونا مازالت شحيحة لحداثة اكتشاف الفايروس في المجمل. من الملاحظ عموماً ان أغلب الأبحاث تستند إلى المقارنة بين فايروس الكورونا وفايروس الأنفلونزا العادية. وتوقعات سلوك الفايروس في مقبل الأيام. مثل التساؤل المهم. ماهو المتوقع للفايروس عند حلول الصيف وارتفاع درجات الحرارة؟ هل سوف ينحصر نشاطه؟ الحقيقة المرعبة ألا إجابة قاطعة وشافية في هذا، بالرغم من ان المخيلة الشعبية السودانية تفترض ان الفايروس سوف لن يقوى على الاستمرار في الدول الافريقية جنوب الصحراء أو كما سماها ناشطو السوشال ميديا (الحزام الآمن) والذي لا تستند الى اية دراسة علمية جادة. الحقيقة ان الخبراء قد حذروا من تعليق الآمال على احتمالات تراجع حالات الإصابة بالوباء في فصل الصيف. وقد يعزى ذلك إلى أن فيروس كورونا، لا يزال جديدا ولا توجد أية أدلة بعد تؤكد أنه يتأثر بالتغيرات المناخية الموسمية (كما جاء في تقرير للبي بي سي) .
كل ما هناك ان أبحاثا قديمة قد أجريت على فايروسات تاجية أخرى (ابنة عم كورونا) قد تساعد في التنبؤ بإمكانية ان يتحول كورونا المستجد إلى مرض موسمي. إذ أجرت كيت تيمبلتون، من مركز الأمراض المعدية بجامعة إدنبره، دراسة منذ عشر سنوات، جمعت فيها عينات لثلاثة أنواع من الفيروسات التاجية التي تسبب أمراضا تنفسية، من مرضى بالمستشفيات والعيادات في إدنبره، ولاحظت أن هذه الفيروسات تنتشر في فصل الشتاء، إذ تزداد معدلات الإصابة في الفترة بين شهر ديسمبر/ كانون الأول وشهر أبريل/نيسان. المتشائمون يرون ألا حقيقة يمكن الاستناد إليها بصورة قطعية بدليل ان الانفلونزا الإسبانية في العام 1918م والتي كانت وباء عالمياً وأهلكت نحو 500 مليون من البشر يوماً ما كانت ذروة انتشارها في فصل الصيف.
هل توقف العلم وقدرته على مجابهة الجائحة؟ الإجابة لا. نثق أن هناك رباً رحيما في عليائه سوف يكون رحيما بعباده. وما فتح الله للبشرية من تجارب سابقة سوف تكون خير عون لمكافحة الفايروس المستجد. إضافة الى خبرات بنو البشر في ما اكتسبوه من كوارث عظيمة من قبل حيث اجتازوا بلاءها. البشرية الآن أفضل حالا عن ذي قبل بما يتوفر لهم من وسائل حديثة وتواصل أسرع في محاصرة المرض وتبادل المعلومات والخبرات. العلماء في جميع المراكز البحثية حول العالم والذين يقرنون ليلهم بنهارهم يعملون على إيجاد مصل واقٍ. وإيجاد دواء شافٍ لمن أصيبوا فعلا. وزيادة وتيرة انتاج أجهزة التنفس الاصطناعي. اعتقد أن واجبنا مساعدتهم بان لا نزيد نسب الإصابة حتى لا ينعكس ذلك ضغطا على المؤسسات الصحية. تلك المساعدة يجب ان تكون باتباع الإرشادات العلمية والمتفق حولها. ودعونا نترك جانبا الاعتقادات الشعبية والتي قد تزيد من نسب الإصابة في هذه المرحلة الحرجة. هناك مثل مصري يدعو للاستفادة القصوى من الكرت الكاسب والذي يجب اللعب به يقول (اللي تكسبوا اللعبو). وكرتنا الكاسب هنا التجربة الصينية في مكافحة الوباء. التزام الكل بالموجهات بمقارنة تراخي أوروبا عند بداية الجائحة والتي كان لها دور في تفشي الفايروس في القارة العجوز وخروجه عن السيطرة.
إطلالة أخيرة:
(وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا). سورة الجن الآية 10

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.