انعكاسات اقتصادية أكبر كورونا..ليست مجرد جائحة صحية

تقرير: محمد عبدالعزيز

السودان والمجتمع الدولي..تطمينات ومحاذير
نهاية الأسبوع تلقى رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك اتصالين هاتفيين الأول من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، والثاني من الممثل السامي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. الاتصالان ذهبا في اتجاه دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لنجاح الفترة الانتقالية في السودان في ظل التحديات الكثيرة وآخرها جائحة كورونا (كوفيد ١٩) التي تأثرت بتبعاتها جميع دول العالم.

جميع الحكومات في العالم ستعاني جراء كورونا، إلا أن البعض سيعاني أكثر من الآخرين. من الناحية الاقتصادية يبدو تأثير كورونا ستكون اسوأ من الحرب، وقلة من القادة السياسيين اليوم قد واجهوا ظروفاً مماثلة مثل الوباء وتداعياته الاقتصادية – على الرغم من أن البعض يستحضر الأزمة المالية في العام 2007-2009، وفي الوقت الذي أدركوا فيه متأخرين أن الأنظمة الصحية سوف تنهار وتزداد الوفيات، فإن القادة أصبحوا في النهاية يتقبلون حقيقة أنه سيتعين عليهم تجاوز العاصفة. إلا أن هنالك أربعة عوامل ستحدد كيفية مواجهتها، بما في ذلك موقفهم من اللايقين بالنسبة لطبيعة الفيروس؛ والوضع الاقتصادي، وهيكل وكفاءة الأنظمة الصحية؛ ومدى الثقة في القادة لاتخاذ قرارات صعبة بشأن الحجر الصحي والعزل الاجتماعي.

مع تجاوز عدد إصابات فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) حاجز المليون شخص حول العالم، بدأت الدول ذات الموارد المحدودة في الاستعداد للأسوأ في بيئة موارد متوترة، السودان الذي لم يكمل عامه الأول في حكومته الانتقالية المتعثرة في ظل عدم توافق سياسي واقتصاد منهار، يواجه كارثة وطنية وعالمية مثل كورونا التي من الممكن أن تمثل قاصمة ظهر للفترة الانتقالية بتأثيراتها الاقتصادية خاصة مع تقليل فرص الدعم الدولي له في هذه الفترة الحرجة.

فيما يلي مرحلة اللايقين من كورونا فإن المعرفة العامة بالفيروس لم تصل لمرحلة المعرفة اليقينية الصلبة مما يؤثر على التوقعات، فعلى سبيل المثال ما يزال الجدل محتدماً حول انخفاض عدد الإصابات في دول الجنوب مقارنة مع بقية العالم ومدى فاعلية انتقال العدوى في الأجواء الحارة مما سيؤخر ذروة الإصابات حتى الشتاء أو افتراضات أخرى تشير إلى أنها ستكون خلال ثلاثة أسابيع.

خطة الاستجابة..من الوقاية للمواجهة
في السودان وصلت عدد الإصابات حتى الجمعة إلى 10 –من بينها حالتا وفاة وحالتا تشافي- وانتقل فيها تصنيف انتقال العدوى من المرحلة الأولى مرحلة الوافدين إلى المرحلة الثانية مرحلة المخالطين –والمرحلة الثالثة الانتشار المجتمعي والرابعة التفشي-. وزارة الصحة السودانية اعتمدت خطة استجابة وقائية بشكل أساسي واتخذت تدابير احترازية استباقية سعت فيها لاستباق العدوى بخطوة محاولة توظيف الموارد المحدودة بفعالية عبر جهود التوعية للوقاية بالفيروس، وإعلان حالة الطوارئ الصحية مع إعلان أول حالة إصابة بالفيروس في الثالث عشر من مارس، وأظهرت الحكومة في مستوياتها العليا قدراً من التنسيق بين المدنيين والعسكريين في أول اختبار حقيقي للحكومة الانتقالية.
وزارة الصحة أظهرت مستوى غير مسبوق من الشفافية لاطلاع الجمهور على آخر تطورات الأوضاع الصحية في البلاد، والترتيبات الاحترازية لتصبح محل ثقة بالرغم من الجدل الذي صاحب إعلان الحالة الأولى وملابسات إعلان الحالة السادسة، والمحاولات السياسية للتشكيك في خطورة كورونا على السودان.
نظام الرعاية الصحية في السودان متهالك –طبيب مقابل 3.500-10.000 مواطن، واختصاصي لكل 20 ألف-، منظمة الصحة العالمية قررت وضع السودان في منطقة الخطر، في مواجهة جائحة كورونا، نظرًا لخطورة الفيروس وقدرات البلاد على الاستجابة لأي تفشٍ واسع محتمل للمرض، وأشارت المنظمة إلى أن صرف السودان على النظام الصحي ظل محدودًا لعقود طويلة، مما جعله يفتقر للكادر الطبي المُؤهل والمعدات الطبية والإمدادات الدوائية، إضافة لضعف البنيات التحتية، وأكدت المنظمة على أن النظام الصحي السوداني الذي يعاني من ضعف هيكلي، لا يشمل كل مناطق البلاد، الأمر الذي سيحدث تأخيراً في الفترة بين التبليغ عن الوباء والاستجابة له.

صحيح أن الحكومة الانتقالية رفعت في الموازنة الجديدة نسبة الإنفاق على الصحة من 16.106 مليون جنيه أي ما يعادل 4% من الإنفاق العام إلى 51.390 مليون جنيه أي ما يعادل 7% من الإنفاق العام -تم اعتماد حوالي 6 مليارات جنيه لدعم كفاءة وزارة الصحة في تقديم الخدمات الصحية وشراء المعدات اللازمة-، وهو ما لا يؤهله لخوض أي مواجهة مع وبائيات ناهيك عن جائحة كورونا. وزير الصحة السوداني أكرم علي التوم أعلن أنهم بحاجة بحاجة إلى 76 مليون دولار لمواجهة فيروس كورونا، من المنتظر أن تسهم في بناء النظام الصحي والاستعداد لاسوأ الفروض.

الاقتصاد السوداني..التحسب للاسوأ

يعاني النظام الاقتصادي السوداني من صعوبات قد لا تسمح بتحقيق الاستجابة المناسبة، فهو يواجه لعقود اختلالات هيكلية وتوقع صندوق النقد الدولي بالفعل ركودًا اقتصاديًا عامًا في عام 2020. على سبيل المثال، من المتوقع أن ينخفض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5 ٪ ، بالإضافة إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي المتدهورة الأخرى، وموازنة متعثرة بسبب تأجيل إجازة خطة وزير المالية في إعادة هيكلة الدعم بعد تحفظات قوى الحرية والتغيير لحين عقد مؤتمر اقتصادي نهاية مارس الجاري تم تأجيله لمطلع يونيو القادم.

في الأثناء دعا السودان دولاً خليجية وأوروبية لتقديم دعم عاجل له لمواجهة التداعيات الاقتصادية التي خلفتها الإجراءات الاحترازية لمواجهة احتمالات تفشي انتشار فيروس كورونا بالبلاد.
الحكومة السودانية تعمل على وضع استراتيجية لتقليل تداعيات «كورونا» وآثاره على الاقتصاد، ودعم الشرائح ذات الدخول المحدودة التي تأثرت بالإجراءات الاحترازية، التي أثرت سلباً على الاقتصاد.
ويعاني السودان من تصاعد أزمات وندرة في السلع الضرورية مثل: المحروقات والقمح، والدقيق وغاز الطبخ، بسبب عدم توفر النقد الأجنبي للاستيراد، كما يعاني من اختلال في الميزان التجاري بما يتجاوز 4 مليارات دولار، وتقدر الصادرات السودانية بنحو 3 مليارات دولار، والواردات بــ 7 مليارات دولار.

قبل جائحة كورونا تواجه الحكومة الانتقالية تحديات كبيرة في ظل إرث من سوء الإدارة والقيود المالية وأزمة اقتصادية عميقة، وبحسب تقارير إنسانية دفعت النزاعات والأزمات الاقتصادية أكثر من 9 ملايين سوداني إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية في عام 2020 ، فر ما يقرب من 1.9 مليون منهم من منازلهم. بالإضافة إلى ذلك ، يستضيف السودان أكثر من مليون لاجئ من الدول المجاورة ، بما في ذلك جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، فيما طرح العاملون في المجال الإنساني نداء لمساعدة السودان لعام 2020 بنحو 1.3 مليار دولار أمريكي لمساعدة المحتاجين، لكن الاستجابة لم تصل إلى 13 في المائة حتى الآن.
ثمة تطورات خارجية أيضاً مؤثرة لا سيما وأن موازنة 2020 تعتمد بنسبة مقدرة على منح خارجية تبلغ 27,7%، فضلاً، عن توقعات بالحصول على دعم إضافي مباشر من مؤتمر المانحين المؤجل إلى يونيو، كما أن الآمال في الحصول على دعم ذي بال حتى في حال قيامه تكاد تنعدم، خاصة بعد الجائحة وانهيار أسعار النفط التي ستؤثر على دول الخليج التي يراهن على دعمها الكبير للسودان.
إلا أنه في المقابل قد يكون لذلك تأثير سياسي إيجابي بأضعاف عوامل التأثير الخارجي على المشهد السوداني وهو ما سيجعل أي دولة لديها مشروع وطني مدروس بعناية القدرة على تنفيذه أكثر من أي وقت مضى، إلا أن ذلك يتطلب قدراً من التوافق السياسي بين مكونات المجتمع السوداني ورؤية وإدارة فعالة من جانب الحكومة.

في حال اسوأ السيناريوهات والتي تتصل بالحجر الصحي الكامل للمواطنين ستكون هناك انعكاسات اقتصادية خطيرة على السودان تتمثل في حدوث ركود كبير جداً يؤدي إلى خسارة 10% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد خلال شهرين فقط، بجانب تقليل حجم المساعدات والمعونات الخارجية سينخفض حجم التجارة الخارجية وهو ما سيؤثر على الصادرات والواردات وعلى عائدات الحكومة من الإيرادات الجمركية وهو ما سيخلق مزيداً من الضغوط على الموازنة العامة، كما سيقلل من دخل الأفراد في القطاع الحر –شرائح ضعيفة- وسيقلص سوق العمالة الخارجية وهو ما سينعكس على مسألة التحويلات المالية وهو ما يستدعي ترتيب المالية لتوسعة شبكة الضمان الاجتماعي.

في المقابل قد تسهم كورونا في تقليل العجز التجاري وإدارة الموارد بفاعلية أكثر على مستوى الأسر والحكومة كما أنها تمثل فرصة جيدة لإنعاش الإنتاج المحلي الزراعي والصناعي وتطويره في ظل عدم وجود بدائل أخرى –تجربة تصنيع أجهزة التنفس الصناعي-، انخفاض أسعار النفط قد يبدو جيداً للسودان إلا أن عدم القدرة على توفير موارد ومواعين كبيرة للتخزين ستحد من فرص الاستفادة.

مواجهة كبيرة مثل كورونا تستدعي تضافر كل الجهود الرسمية والشعبية لمواجهة هذه الجائحة وهو أمر حدث في دول كبرى على رأسها الولايات المتحدة والصين.، لذلك يمكن لمبادرة (القومة للسودان) أن توفر جزءاً من الموارد التي إذا تم توظيفها بشكل فاعل يمكن أن تسهم في سد الفجوة الاقتصادية.

كورونا..مخاطر عالمية متزايدة

هناك تحذيرات من أن الاقتصاد العالمي سيعاني من أكبر تراجع في النمو منذ الأزمة المالية عام 2009، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وتوقعت المؤسسة البحثية نمواً بنسبة 2.4 فقط في 2020، منخفضة من 2.9 في المائة في نوفمبر.

وقالت أيضاً إن تفشي المرض “لفترة أطول وأكثر كثافة”، يمكن أن يخفض النمو العالمي إلى 1.5 في المائة في عام 2020 نتيجة تعليق المصانع نشاطها وبقاء العمال في المنازل في محاولة لاحتواء الفيروس.

يبدو أن الاقتصاد العالمي مقبل لا محالة على تراجع إن لم يكن على انكماش حاد، والتوقعات الأولية تشير إلى انخفاض النمو بحدود 0.9-0.5% إلى 1.5% هذا العام، وقد يصل إلى أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية العالمية.

وقد يشهد العالم أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، وستعتمد هذه الاحتمالات على مدى الانتشار الزماني والمكاني للفيروس، وعمق الأزمة التي سيتسبب فيها، ومتى تضع الحرب معه أوزارها.

لكن كلما طال أمد الصراع ضد كورونا أدى ذلك إلى ارتفاع حالات الإفلاس بين الشركات والبطالة بين المجتمعات، وستكون الفئات الأضعف و”ذوو الدخل الأقل” هم الأكثر عرضة، وستكون لذلك تبعات اجتماعية كبيرة وضغوط هائلة على الحكومات لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي من خلال برامج الإنقاذ والدعم المختلفة وخفض الضرائب.

هذه الحكومات ستكون مداخيلها متأثرة أساسا بسبب شلل الاقتصاد المحلي والعالمي، وسيشكل كورونا مع انهيار أسعار النفط أثرا سلبيا مزدوجا على دول الشرق الأوسط، وسيشكلان تحديا كبيرا للدول التي تعاني من هشاشة أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية أساسا.

وان كانت تداعيات كورونا ستضرب اقتصاديات الدول الكبرى فانها في المقابل ستعصف بالدول النامية التي ستواجه مخاطر اقتصادية متزايدة، ومن المرجح أن تضطر الحكومات في هذه الاقتصادات إلى تقليص الإنفاق العام في الوقت الذي تحتاج فيه إلى زيادة الإنفاق لاحتواء الوباء ودعم الاستهلاك والاستثمار.

وكيل الأمين العام للشؤون الاقتصادية والاجتماعية ليو زينمين قال “هناك حاجة إلى تدابير سياسية عاجلة وجريئة، ليس فقط لاحتواء الوباء وإنقاذ الأرواح ، ولكن أيضاً لحماية الفئات الأكثر ضعفاً في مجتمعاتنا من الاقتصاد الخرب والحفاظ على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي ”

سيرتفع عدد الفقراء في المنطقة العربية مع وقوع 8.3 مليون شخص إضافي في براثن الفقر، وذلك وفق دراسة صدرت عن لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغربي آسيا (الإسكوا) حول آثار فيروس كورونا. ونتيجةً لذلك، من المتوقع أن يزداد أيضًا عدد الذين يعانون من نقص في التغذية بحوالي مليوني شخص، وسيُصنَّف ما مجموعه 101.4 مليون شخص في المنطقة في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليونًا.

في الأثناء حذرت منظمات دولية مكلفة بشؤون التغذية والصحة والتجارة من مخاطر حصول أزمة غذائية في العالم، مع الاضطرابات في سوق المنتجات الزراعية وعدم حصول العاملين في هذا القطاع على حماية كافية في مواجهة فيروس كورونا المستجد.

قد تكون روسيا، أكبر مصدر عالمي للقمح، مستهدفة بهذا التحذير بعدما دافع وزيرا الزراعة والاقتصاد فيها في مطلع الأسبوع عن مشروع للحد من الصادرات الروسية من الحبوب لتصل إلى سبعة ملايين طن بين إبريل ويونيو، إلا أن السودان قرر إيقاف تصدير الذرة للخارج اعتباراً من 15 إبريل وحتى إشعار آخر.

ستعتمد شدة التأثير الاقتصادي – سواء كان الركود المعتدل أو العميق – إلى حد كبير على مدة القيود المفروضة على حركة الأشخاص والأنشطة الاقتصادية في الاقتصادات وعلى الحجم والفعالية الفعليين للاستجابات المالية للأزمة. إن حزمة التحفيز المالي المصممة جيداً – إعطاء الأولوية للإنفاق الصحي لاحتواء انتشار الفيروس وتوفير دعم للدخل للأسر الأكثر تضرراً من الوباء – ستساعد على تقليل احتمالية حدوث ركود اقتصادي عميق.

كبير الاقتصاديين في الأمم المتحدة والأمين العام المساعد للتنمية الاقتصادية إليوت هاريس قال: “بينما نحتاج إلى إعطاء الأولوية للاستجابة الصحية لاحتواء انتشار الفيروس بأي ثمن ، يجب ألا يغيب عن بالنا كيف يؤثر على السكان الأكثر ضعفاً ماذا يعني ذلك للتنمية المستدامة. هدفنا هو ضمان التعافي المرن من الأزمة وإعادتنا إلى المسار الصحيح نحو التنمية المستدامة”.

على كل يمكن القول في مواجهة جائحة كورونا لا تقاس الخسائر بالمعايير الإحصائية أو فقدان نقاط الناتج المحلي الإجمالي ولكن سوف تقاس بالأرواح البشرية التي سنختار عدم إنقاذها.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.