البدائل والواجب

*مثلنا ومثل بقية دول العالم فعلت فينا الجائحة الملعونة (كرونا) فعلها، ليس بأعداد المصابين المهولة ـ ولله الحمد ـ كما في بعض الدول التي صارت مركزا لانتشارها، ولكن بانعكاس آثار الإجراءات الاحترازية القاسية التي اتُخذت والمتوقع أن تتخذ في مقبل الايام، والتي هي بالطبع من الحصون الواقية بإذن الله الذي عليه وحده التوكل بعد العقال (أعقلها وتوكل) .

*واحدة من القضايا المثيرة لقلق الأسر وينتابها إزاءها الحزن هي تهديد هذه الإجراءات للتقويم الدراسي لكل مراحل التعليم بشقيه العام والعالي بالفشل، وإن كان من فسحة مرونة في أيام أزمات سابقة لإجراء معالجات ـ على محك تداخل الأزمان ـ في فصول التعليم العالي وفي الفصول الوسطى للمدارس إلا إن التوقيتات المرسومة للفصول النهائية كانت غير قابلة للتعديل تحت أحلك الظروف وذلك لارتباطها الوثيق ببرنامج القبول للمراحل الأعلى وخاصة الجامعات، الآن نحن على بعد حوالى الأربعة أشهر من بداية الدراسة في الفصول الأولى للجامعات التي يبدأ غالبها في شهر سبتمبر من كل عام، وللأسف أجبرتنا إجراءات الاحتراز من كرونا على تأجيل انعقاد امتحانات الشهادة السودانية لأجل غير مسمى، فهل يا ترى ( لا قدر الله ) سيبدأ العام الجامعي القادم بلا (سنةً أولى جامعة ) ؟ ..

*لفت نظري وأتابع بإعجاب طريقة إدارة المملكة الأردنية الهاشمية للأزمة في مجمل الإجراءات التي اتخذتها تجاه مجابهة الوباء، وللحقيقة فإن البيانات والتصريحات والتنويهات اليومية للمسئولين الأردنيين عبر وسائل الإعلام التي تتسم بالتماسك والواقعية والموضوعية رغم محتواها الاستثنائي للظروف الطبيعية هي التي جذبت انتباهي لتجربة الأردن، كان للاهتمام بقضية التعليم في ظل الأزمة النصيب الوافر من المعالجات فقد أنشأت الدولة الأردنية سريعًا عددا من المنصات الالكترونية على الانترنت، وخصصت قنوات تلفزيونية لاستئناف العملية التعليمية عبرها بعد انقطاع الطلاب عن المدارس والجامعات، ولتأكيد الجودة تتم متابعة دقيقة لانخراط الطلاب للتلقي عبر هذه المنصات كل حسب إمكاناته، وأفاد آخر تقرير استمعت اليه قبل يومين إن نسبة التزام الطلاب قد بلغت 97% ـ ما شاء الله – ،، على ورق السلوفان الملون بجانب باقة ورد أهدي هذه التجربة ( لوزارتي) تعليمنا، على الأقل لإحداث العصف الذهني ودفع الهمة لإنتاج البدائل، وبث قدر من الإحساس بالطمأنينة للأبناء ولأولياء امورهم .

*الدول التي اتخذت إجراء الغلق الكامل والحظر الشامل، اجتهدت في رسم الخطط وتوظيف الإمكانيات وحشد حتى طاقات الشركات والمنظمات لتعويض مواطنيها ومدهم بخدماتهم الضرورية في منازلهم، وطبعًا من الظلم والإجحاف أن نساوي خط الإمكانيات المادية المتوافرة لغالب هذه الدول مع معطى حالنا المتواضع، ولكن الذكاء الجمعي لهذه الأمم جعلها تتشكل جسدًا واحدًا في ملاحم وطنية وإنسانية مصيرية لا يعلو فيها صوت على صوت معركة المصير والوجود لهذا الكائن البشري المنوط بالمهمة المقدسة تعميرًا وترقية ونماء .

*مع توقعات اتخاذ قرار الحظر الشامل الذي يلوِّح به ويمهد له المسئولون هذه الأيام تكون بلادنا قد وقفت أمام تحدٍّ عظيم يفوق كثيرا من التحديات الواقعية والمتوهمة التي تحيط بها، وإن هزمتنا أنفسنا أمام صغارها، وعجزت إرادتنا عن صنع عقل وجسد واحد لعبور المرحلة فلن نجني الا ما لا يحمد عقباه، أقوى انتصار لقوى السياسة ولحركات السلاح هو التواضع لصالح الأمة والوطن، وأكبر أرباح ستجنيها الشركات وقطاعات الأعمال هي بناء الثقة مع جموع هذا الشعب الذي هو سوقها الكبير، وأعظم إنجاز لمنظمات المجتمع المدني هو زرع فسائل جديدة من قيم الإنسانية التي هي من روح الله ،، ومن قبل حدثنا التاريخ ان تجليات السودانيين ما أشرقت الا تحت رايات الوحدة الحقيقية بالحس والمعني .. أليست هي استحقاقات المرحلة التي ربما فتح الله بها علينا وعدًا جديدًا؟ ،، الى الملتقى

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.