حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

ورمضان كريم

شارك الخبر

(1)
عزيزي القارئ رمضان كريم وكل عام وأنت بخير، وأعاد الله الشهر الكريم علينا وبلادنا أحسن حالاً مِمّا هي عليه الآن, فبلادنا ظلّت في السنوات الأخيرة، لا بل في العُقُود الأخيرة في حالة تردٍ دائمٍ، وظللنا في كل عامٍ وفي كل مُناسبةٍ ندعو الله تعالى أن يوقف هذا التردي، ولكن لحكمة يعلمها هو استمر التردي على ما هو عليه مرات بمُتواليةٍ عدديةٍ، وأحياناً أُخرى بمُتواليةٍ هندسيةٍ كَمَا حَدَثَ في السنوات الأخيرة ومع ذلك لم نفقد الأمل والثقة بالله وظلّ دعاؤنا مُتواصلاً، ولكن للأسف ليس مَقروناً بالعَمل أو على تقدير عملنا ليس في مُستوى دعائنا.
نتمنّى على الله الأماني وعجلة إنتاجنا مُعَطّلة, تنظيرنا أكثر من فعلنا, كلامنا أكثر من عملنا، فدعُونا مع مقدم هذا الشهر الفضيل أن ندعو الله تعالى بأن يُغيِّر طريقتنا في الحياة ونتّجه الى العمل والإنتاج ونترك الجــدل واللجَــاج.
(2)
كان السودان ومازال هبة الخالق التي أضاعها المخاليق، فقد حبانا المولى عز وجل بموارد يُندر أن يجود الزمان بمثلها، وهبنا مياهاً عذبة سطحية من الأمطار والأنهار، وجوفية لا مثيل لها في العالم ومع ذلك يموت بعضنا وتموت بعض حيواناتنا وبعض زرعنا عشطاً, وهبنا أرضاً سهلية مُنبسطة بانحدارٍ تدريجي نحو الأنهار تجعل نقطة الماء تقطع مئات الكيلومترات دُون أن تحتاج الى أيِّ رافعةٍ ومع ذلك ظَلّت في مُعظمها بُوراً بلقعاً، وهبنا شمساً ساطعةً تُنمِّي الزرع وتُقوِّي الضرع فلم نستغلها، بل أصبحت حِمَمَاً تتنزّل على يوافيخنا.. أمّا باطن الأرض فهو يَمُـور بالزيت والمعادن النفيسة ونحن عنها مُنصرفون، أجيالٌ تأتي وتمضي وتظل موارد السُّودان الاقتصادية الضَخمة في باطن الأرض وفي ظاهرها تُنادي ثُمّ تُنادي وتُنادي..!
(3)
نسأل الله تعالى أن تكون هذه الثروات المُشار إليها أعلاه، والتي أهملناها وأضعناها، فبعضها ناضبة نسأل الله أن يكون ما بقي منها مدّخراً للأجيال القادمة من أبناء السودان، فأجيالنا الحالية التي تتسيّد المشهد، والإشارة لهذا الجيل الذي فجّر الثورة الأخيرة تبشِّر بمُستقبلٍ واعدٍ، فهي أكثر وعياً من الأجيال التي سَبقتها بفضل التّراكُم المَعرفي، وهي أكثر تَجَرُّداً من الأنا بفضل الظّرف الضّاغط الذي نشأت فيه، وهي الأكثر إدراكاً للعَالم من حَولنا بفضل ثورة الاتّصالات، فكل المطلوب الآن أن تبعد الأجيال القديمة (الجلاكين) من دربها وتتركها لخياراتها تخطئ وتُصيب, تقع وتقوم, إلى أن تصل لمُبتغاها فهذه الأرض لها، وهذه الثروات لها.
(4)
هذا الشهر الكريم الذي تزامن هذه المرة مع المُتغيِّرات السِّياسيَّة الكبيرة التي تجتاح بلادنا، فيه فالٌ كبيرٌ إن شاء الله، فدعونا ندعو الله أن تحل بركة هذا الشهر في هذه المُتغيِّرات وتجعل منها ثورة مُجرّدة من الأنا, ثورة إيثار، وثورة إنتاج، وثورة تعلي من شأن البلاد وتعطيها كرامة وعزة هي أهل لها وإن عاشت محرومة منها منذ نشأتها، فليس لنا تاريخٌ نعتد به، إنّما أمامنا مُستقبلٌ نتطلّع إليه، ولعلّ هذا من حُسن حظ شبابنا، إذ ليس لدينا ما نورثه له، فليقف على موارده، ويمد بصره، ويستعين بربه، ويركل تُجّار الكلام جانباً.. فاللهم أحفظ شباب السودان وشاباته.. ورمضان كريم.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.