خذوا حذركم من العسكر!

عبد الباقي الظافر
في الأسبوع الماضي كان الفريق حميدتي ينظر إلى ساعته بين الفنية والأخرى وذلك خلال مؤتمر صحفي.. حينما حان ميعاد لقاء ضباط الشرطة لم يتردد دولة نائب الرئيس في الاستئذان.. في حشد الشرطة وعلى الهواء مباشرة تبرع حميدتي براتب ثلاثة أشهر لرجال الشرطة وفي ذات الوقت وجه في الحال بإلغاء لائحة تنظم ترقيات وحوافز الشرطة.. بنهاية اللقاء بات مرتب الضابط في مدخل الخدمة يوازي مرتب البروفيسور الجامعي.. المقاربة لا تشير إلا للاهتمام المتعاظم من العسكر تجاه إخوتهم العسكريين.
منذ ميلاد الثورة الظافرة كنا ننبه أن الخطر يكمن في كبار الجنرالات الذين احتكروا حكم السودان خلال خمسين عاما من سنوات الاستقلال مقابل عشر سنوات تزيد قليلا من الحكم المدني.. العسكريون لا يولدون طغاة.. بل ربما تحملهم عواطف سامية وغايات نبيلة لسدة الحكم.. لكن إدمان السلطة يحولهم لشموليين.. جعفر نميري كان من أبرز الضباط الذين ضغطوا على الجنرال عبود حتى يتنحى.. عمر البشير جاء وفي خاطره أنه يؤسس لدولة إسلامية.. سوار الذهب الذي تنازل عن السلطة عمل لاحقا على تمكين البشير كأنه يكفر عن عقدة الشعور بالذنب.. ذات المعادلة التي تحمل النوايا الحسنة ربما تنطبق على قادة المجلس العسكري الانتقالي.
حتى هذه اللحظة كل الشواهد تؤكد أن العسكريين لن ينسحبوا من المشهد السياسي (بأخوي وأخوك).. تباطؤ في الرد على وثيقة الإعلان الدستوري.. استثمروا في خلافات الأحزاب فأعلنوا عن لقاء جامع مع القوى السياسية دون التقيد بالتفاهمات التي تجعل من تحالف قوى التغيير ممثلا شرعيا للثورة.. بل إنهم مضوا إلى مفاصل العمل التنفيذي كان حدهم الأدنى الإطاحة بالموظف المسؤول عن إدارة الحج بوزارة الإرشاد.. رسموا حدود العلاقات الخارجية دون الانتباه لمهام الحكومة المدنية المرتقبة.
بالطبع كل ذلك لا ينفي الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها القوى السياسية.. بدت الأحزاب كمن دخل إلى مباراة دولية في كرة القدم دون الانتظام في تمارين مسبقة.. ظن قادة الأحزاب أن الخطر يكمن في النظام المباد فطالبوا بتطويل الفترة الانتقالية دون أي شرعية انتخابية.. مارسوا ذات التقاليد القديمة في تقديم المصلحة الحزبية على المصالح الوطنية.. استعجلوا حصد المغانم قبل انجلاء المعركة.. تناست هذه القوى أن من اليسر انتزاع السلطة من أي حكومة مدنية عبر الآجال الانتخابية أو بشرعية الشارع المفضية إلى السقوط.. لكن ذات المهمة تصبح أكثر عسرا إن كانت ذات السلطة بين فكي أسد المؤسسة العسكرية.
في تقديري حان وقت طرح مبادرات جريئة لاختبار جدية العسكر في تسليم السلطة للشعب.. من هذه الأفكار طرح فكرة التقاعد عن العمل العسكري لرئيس المجلس العسكري ونائبه وذلك كشرط للانخراط في المجلس السيادي.. هذا المقترح لا ينزع صفة القائد الأعلى للقوات المسلحة من الفريق البرهان إن تم التوافق عليه رئيسا لمجلس السيادة.. الأمر الثاني والأكثر إلحاحا ألا يشارك قادة السلطة الانتقالية في كل المؤسسات في أول انتخابات عامة في السودان.
بصراحة.. أي تطويل للفترة الانتقالية سيصنع طغاة جددا من المؤسسة العسكرية.. ليس بالإمكان الاحتفاظ بزخم الثورة في الشارع إلى أربع سنوات قادمة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.