الثورة والمتاريس.. من يحمي من؟!

الخرطوم: محمد عبدالعزيز

استغرق الأمر أقل من 24 ساعة لتنجح قوى الحرية والتغيير في إزالة كافة المتاريس خارج خارطة السادس من إبريل، بل سعى المعتصمون لتنظيف الشوارع وطلائها لتعود أفضل مما كانت.. وكشف ذلك عن نجاح قوى الحرية والتغيير في اجتياز اختبار الإرادة وولاء الشارع الذي سعى المجلس العسكري لوضعها فيه خاصة بعد تشكيك البعض في تضعضع قدرة هذا التحالف في السيطرة وقيادة الاعتصام بعد هذه الشهور إلا أن ظهور قيادات الحرية والتغيير منذ ليلة الخميس وهي تتنقل بين المتاريس خارج خارطة السادس من إبريل ونجاحهم في إقناع الثوار في إزالتها بمبدأ أن “المتاريس لحماية الثورة وليس العكس” مما أعاد الكرة سريعاً لملعب المجلس العسكري، وهو ما دعا الصحفي محمد الفكي للتعليق بطريقته الساخرة على ما حدث بقوله:”الحرية والتغيير كلمت ناسها يرفعو المتاريس استجابوا، هل يستطيع المجلس العسكري أن يوقف ضرب الرصاص؟..إذا كانت الإجابةبـ(نعم) معناها ديل ناسو، وإذا كانت بـ(لا) معناها الناس بتفاوض في النمرة الخطأ”.

تعليق مؤسف
أعلنت قوى الحرية والتغيير بالسودان الخميس أن تعليق المجلس العسكري التفاوض بشأن المرحلة الانتقالية “مؤسف” مؤكدة أن الاعتصام سيستمر.
وقالت قوى الحرية والتغيير في بيان صحفي إن الاجتماع المقرر له الأربعاء وتم تأجيله من قبل المجلس العسكري كان لوضع آخر النقاط على بنود وثيقة الاتفاق وهو ما سيعني إيقاف التصعيد وانتفاء أسباب قفل الطرق والشوارع وتطبيع حياة السودانيين كافة.
وأضاف البيان أن كل مبررات إيقاف المفاوضات من طرف واحد منتفية وهو ما يخل بمبدأ الشراكة وينسف دعاوى التوافق بما يسمح بالعودة لمربع التسويف في تسليم السلطة لافتاً إلى أن المتاريس بنيت لحماية المعتصمين منذ السادس من إبريل وقد تم تحديد مساحة الاعتصام وخطوط السكة الحديد مفتوحة منذ 26 إبريل وبتوافق بين لجان الميدان وهيئة السكك الحديدية.
ورفضت قوى الحرية والتغيير التشكيك في سلمية الاحتجاجات مطالبة بإجراء تحقيق عاجل حول المجزرة الدموية التي وقعت مساء الإثنين 13 مايو 2019 والتي أدت لمقتل مدنيين وعسكريين.
القيادي بقوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني يقول إن بيان المجلس العسكري محشو بعدم الدقة حيث تحدث البيان عن تصعيد من قبل قوي إعلان الحرية والتغيير بعد بدء المفاوضات، والحقيقة أن قوى إعلان الحرية والتغيير أصدرت جدولها التصعيدي قبل بدء التفاوض بأيام، وبعد بدء التفاوض وتقدمه تم التصعيد ضد الثوار وكان نتاجه ارتقاء العديد من الشهداء والجرحى نسأل الله لهم الشفاء.
مدني يواصل حديثه ويشير إلى أنهم واصلوا التفاوض لأن القصاص الحقيقي للشهداء يكمن في تحقيق المطالب التي خرجوا من أجلها .
الخبير الاستراتيجي د. أمين إسماعيل مجذوب يرى أن التفاوض بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير شهد استخدام كل طرف لكروت الضغط الخاصة به، فعلى سبيل المثال صعدت قوى الحرية من خطابها الإعلامي ووسعت خارطة الاعتصام بشكل أفقدها السيطرة على حركة المتاريس مما قاد لتدخل عناصر عملت على إغلاق شوارع حيوية واستفزاز القوات النظامية لإفقاد الاعتصام سلميته.

اختراق حقيقي
شهد الثلاثاء اختراقاً حقيقياً في التفاوض، حيث تم اجتياز أكثر من ٨٠% من الاتفاق، وفي الساعة الأولى من صباح الأربعاء تم إعلان ذلك الاتفاق في تصريح إعلامي مشترك وتبشير الجماهير بإكمال الاتفاق خلال ٢٤ ساعة.
وقال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي ياسر العطا إنهم توصلوا إلى اتفاق حول 90 في المائة من القضايا منها كامل صلاحيات مجالس السيادة والوزراء والتشريعي والاتفاق على فترة انتقالية لمدة 3 سنوات ومجلس تشريعي من 300 عضو بنسبة 67 في المائة لقوى الحرية والتغيير و33 في المائة للقوى الأخرى وذلك بالتشاور بين مجلس السيادة وقوى إعلان الحرية والتغيير.
وأضاف العطا: “نعاهد شعبنا العظيم على أن يكتمل الاتفاق ويحقق طموحات شعبنا الأبي، وستحتفل جماهيرنا خلال 24 ساعة بتحقيق غايات الثورة المجيدة”.
من جانبه أكد متحدث قوى الحرية والتغيير مدني عباس مدني التوصل إلى اتفاق حول هياكل الحكم الثلاثة مشيراً إلى أن المرحلة الانتقالية ستكون لمدة 3 سنوات وستخصص الستة أشهر الأولى منها لتوقيع اتفاقيات سلام في البلاد.
وكشف متحدث قوى التغيير عن تشكيل لجنة مشتركة مع المجلس العسكري لمواجهة أي محاولات تستهدف المعتصمين وكذلك لجنة تحقيق في واقعة إطلاق الرصاص على المعتصمين الإثنين الماضي وهو ما أسفر عن مقتل 5 مدنيين على الأقل وضابط برتبة رائد من الجيش السوداني فضلاً عن سقوط جرحى من المدنيين والعسكريين وذلك خلال محاولة قوة عسكرية فتح طرق مغلقة تعوق الحركة في الخرطوم.
وأكد مدني أن أي “قطرة دماء سودانية يجب الاحتفاظ بها للبناء لا أن تسيل في ساحات الاعتصام التي يجب أن تظل سلمية ومعبرة عن روح الكفاح من أجل الديمقراطية”.

تعليق التفاوض
بعد عدة ساعات اتصل المجلس بقوى إعلان الحرية والتغيير معلناً أنه سيعلق التفاوض طالما أن الشوارع مغلقة والمتاريس موجودة.
وقد قوبل ذلك بالاستهجان من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير، معتبرة أن الجدية في تحقيق اتفاق لن يوقفها إغلاق شوارع أو متاريس لا سيما أن التصعيد يعود في أغلبه كرد فعل على الاعتداء على المعتصمين، كما أن السعي لإنجاز الاتفاق كان سيقود إلى إنهاء التوتر في الميدان.
مدني يعلق على ذلك بقوله:”يتضح لنا بجلاء أنه لا توجد علاقة بين تعليق التفاوض والتصعيد الذي لم يحدث فيه تطور في الساعات القليلة بين إعلان الاتفاق وإيقاف التفاوض، بل اللافت أن قوى إعلان الحرية والتغيير كانت قد بدأت فعلياً في فتح العديد من المسارات المغلقة.
أعلن رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان تعليق التفاوض مع قوى الحرية والتغيير لمدة 72 ساعة.
وقال رئيس المجلس العسكري الانتقالي في خطاب متلفز إن التصعيد من قبل أحد فصائل قوى الحرية والتغيير أفقد الحراك سلميته لافتاً إلى أنهم قرروا تعليق التفاوض لحين تهيئة الظروف المناسبة لمواصلة الحوار.
وطالب البرهان بإزالة المتاريس خارج مكان الاعتصام وفتح الطرق أمام حركة المركبات والقطارات إلى جانب إيقاف التصعيد الإعلامي والاستفزار ضد المجلس العسكري والقوات النظامية وقياداتها.
وأضاف البرهان أنه وبالرغم من الإيجابية التي سادت أجواء التفاوض مع قوى الحرية والتقارب إلا أن الأجواء شهدت تصعيداً ضد المجلس العسكري فضلاً عن تسلل متسلحين للاعتصام استهدفوا الجيش والمدنيين.
ودعا البرهان المواطنين لحماية مكتسبات الثورة حتى تصل إلى مرادها وتطلعاتها مشدداً على أن التصعيد أدى إلى انتفاء سلمية الثورة ، مؤكداً أن القوات ستواصل حماية الثورة وأمن الوطن والمواطنين.
وقبل بيان المجلس العسكري طالبت قوى إعلان الحرية والتغيير المعتصمين بالعودة إلى منطقة الاعتصام الأولى بتاريخ 6 إبريل، وذلك بهدف أساسي هو حماية المعتصمين من مرمى القناصة والحفاظ على تماسك الاعتصام في منطقته.
قوى الحرية رأت أن البيان كان يتوقع منه التركيز على الاعتداء على المعتصمين مما أدى لاستشهاد عدد منهم وإصابة أكثر من ٢٠٠ شخص إلى جانب الاعتذار للشعب السوداني عن فشله في توفير الحماية لأبنائه، وفضح الجهات التي ارتكبت حوادث الاعتداء يومي الإثنين والأربعاء ، بدلاً من تعليق التفاوض واتهام قوى الحرية والتغيير بالتصعيد.
أمين إسماعيل مجذوب يلفت إلى أن التداعيات الأمنية انعكست سلباً على التقدم السياسي في التفاوض مما أدى إلى تعليقه لافتاً إلى أن المجلس العسكري يقوم بالتحقيق عن إطلاق النار الإثنين والأربعاء سواء عبر طرف ثالث أو عبر انفلات من قوات نظامية وأن هناك لجنة مشتركة مع قوى الحرية لمتابعة مجريات التحقيق. ويشير الخبير الاستراتيجي إلى أن خطاب البرهان أغفل الإشارة لهذه النقطة المهمة.
بيان البرهان تضمن إشارات لموقف الحزب الشيوعي الذي أعلن رفضه ترؤس شخصية عسكرية للمجلس السيادي، دون الإشارة له بالاسم باعتباره دليلاً على تصعيد قوى إعلان الحرية والتغيير كواحد من أسانيده لقرار تعليق التفاوض.
إلا أن قوى الحرية قالت إن حديث المجلس العسكري معها حول إيقاف التفاوض كان قبل المؤتمر الصحفي للحزب الشيوعي.
أستاذ العلوم السياسية د. مهدي دهب يقول إن بيان البرهان يشي بوجود خلافات داخل المجلس العسكري، يراد التغطية عليها وترضية العناصر المتشددة بهذا البيان، ولا يستبعد دهب أيضاً أن يكون البيان يسعى لمغازلة أطراف داخلية وخارجية تضغط عليه لإظهار مواقف متشددة تجاه قوی الحرية والتغيير بعد أن شعرت بأنها لن تكون جزءاً من ضمن الفترة الانتقالية.
دهب يلفت إلى أن بيان البرهان أغفل الإشارة إلى ضحايا المتاريس وركز على انتفاء سلمية الثورة ممكن أن يكون ذلك تمهيداً لإجراءات عنيفة، مضيفاً:” الاعتداء وقع ضد المعتصمين، والأجدى البحث عن المعتدين وتحمل مسؤولية حمايتهم”.
أمين إسماعيل مجذوب يلفت إلى وجود عناصر 4 حركات مسلحة لم توقع أو تدخل في حوار بعد مع الحكومة في مكان الاعتصام ما يشكل تهديداً أمنياً، لا سيما بعد احتفال عناصر لحركة العدل والمساواة بذكرى “معركة الذراع الطويل” أمام القيادة العامة مما شكل استفزازاً لعناصر الجيش والقوات النظامية الأخرى.

سيناريوهات ومواقف
هناك سيناريوهان متوقعان بعد قرار المجلس العسكري تعليق التفاوض، الأول يقوم على مواصلة التفاوض بعد تحقيق الاشتراطات التي تحدث عنها بيان البرهان، أما السيناريو الثاني فـمتعلق بوجود انقسام داخل المجلس العسكري ومحاولة التراجع عما تم التوصل إليه، أو حتى المناورة لتعزيز مكاسبه في الجولة الأخيرة من التفاوض المتصلة بتكوين المجلس السيادي الهدف الأساسي للمجلس العسكري منذ البداية.
أمين إسماعيل مجذوب يرى أن الأجواء بعد فتح الشوارع الرئيسية باتت مناسبة لإتمام التفاوض وإعلان الحكومة والاحتفال بعبور مرحلة تاريخية مهمة في السودان.
غير أن أستاذ العلوم السياسية د. مهدي دهب يرى أنه لا خيار أمام المجلس العسكري سوى العودة للتفاوض خاصة في ظل مراقبة المجتمع الإقليمي والدولي، ويلفت دهب إلى أن المجتمع الدولي يدفع لسرعة التوصل لاتفاق سلس في ظل تخوف من عود النظام السابق.
وقال الاتحاد الأوروبي إن المفاوضات بين العسكريين والمدنيين يجب أن تستمر لحل القضايا المتعلقة ببناء الثقة ومعالجة المطالب المشروعة للشعب السوداني، مضيفاً في بيان: “يتعين أن يتحلى المفاوضون من كلا الطرفين بالإحساس بالمسؤولية والبحث عن الحلول الوسط من أجل التوصل إلى صفقة شاملة تسمح بانتقال سريع ومنظم للسلطة نحو حكم مدني”.
في كل الأحوال يمكن القول إن الحوار والتفاوض يمثل أفضل مخرج للازمة الحالية سواء للمجلس العسكري أو قوى الحرية أو حتى الأطراف الإقليمية والدولية، في هذه الأثناء ثمة ضغوط شعبية ودولية على المجلس العسكري لتسليم السلطة ولا سبيل له في حال رغبته في الحصول عليها إلا بمشاركتها مع قوى الحرية والتغيير، أما في حال محاولة التشبث بالسلطة والاستقواء بقوى مدنية أخرى غير الحرية والتغيير فإنه حينها سيعيد ما حدث للرئيس المخلوع مع العلم أنه سيكون متراجعاً عنه درجة تتصل بعدم الاعتراف بشرعيته.
قد يراهن المجلس العسكري على عامل الزمن أو محاولة إحداث انشقاق في تحالف قوى الحرية ومشاركة الحكم مع فصيل إلا أن ذلك لم يكن ناجعاً ولن تصمد الحكومة وقتها لأكثر من أسبوع أمام التظاهرات التي إن تركت لتمددت وإن قمعت لتكرر سيناريو المخلوع ثانية.
أخيراً في حال مشاركة المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير –السيناريو الأرجح- فستكون هناك حالة من عدم الثقة بين الطرفين خاصة قدرة العسكر على الانقلاب عند أي منعطف أو مطب سياسي، أو تربص المدنيين بالعسكر لطردهم خاصة في ظل دعم دولي، وبين هذا وذاك يبقى تأثير فلول النظام السابق حاضراً وترقبهم لأقرب فرصة للانقضاض على الثورة والقضاء على المجلس العسكري وقوى الحرية بضربة واحدة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.