مجزرة الثامن من رمضان.. اتهامات دولية ومحلية

الخرطوم : هبة علي

تصعيد وصف بغير المبرر جعل المجلس العسكري يرجئ التفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير لـ(72) حول المتبقى من قضايا عالقة للوصول إلى اتفاق نهائي يأذن بانتقال سلس إلى سلطة مدنية كاملة الدسم.. الخطوة جاءت في أعقاب ما يوصف بالمجزرتين اللتين ارتكبتهما قوات عسكرية في حق المعتصمين بإطلاق الرصاص يومي 8 و10 رمضان، الأمر الذي أدى إلى سقوط شهداء فضلاً عن المئات من المصابين. لتدور التحليلات وتتناسل الروايات في تحديد مطلق الرصاص، خصوصاً وأن الجهة المتهمة بحسب الثوار هي الدعم السريع الذي سارع إلى نفي التهمة جملةً وتفصيلاً.. فمن يطلق الرصاص؟.

ضربة البداية
ثوار في ريعان الشباب تسلحوا بالوعي وبالسلمية، خرجوا يطلبون الحرية والسلام والعدالة وإسقاط النظام، فلم يحصلوا إلا على سقوط نظام المخلوع البشير، لتظل بقية المطالب مسجونة، ليتزامن موعد الجولة التفاوضية الأولى بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير مع تصرف وصف بالمريب حينما قامت قوات ترتدي زياً رسمياً بإغلاق كوبري النيل الأزرق من اتجاه بحري، مانعة العديد من الثوار والمواطنين الذين فضلوا الإفطار في القيادة العامة حيث مقر الاعتصام من الوصول إليها، ليرد الثوار في اليوم التالي بإغلاق شارع النيل تماماً، الأمر الذي تسبب في اختناق مروري عانت منه العاصمة يوم ذاك.
رد الفعل جاء متزامناً مع توقيت الإفطار، فاقبلت قوة عسكرية ترتدي زي الدعم السريع وتمتطي سياراته، لفتح المتاريس قسراً، ليحدث شد وجذب مع الثوار الذين يحرسون المتاريس، ليأتي رد الفعل مباغتاً بإطلاق النيران على الثوار.. ليدور السؤال من يقف وراء ارتكاب المجزرة؟ سؤال تعددت إجابته واتهاماته وسط توصية بتكوين لجنة لتقصي الحقائق، إلا أن سيل الاتهامات لم يقف عند كتائب الظل وقوات الدعم السريع فقط بل تعدى الجانب المحلي ليطال الجانب الدولي بالإشارة الى ضلوع دول في المجزرة طبقاً لتصريحات نائب رئيس المجلس العسكري..

مشهد المجزرة
في يوم الإثنين 13 مايو 2019م راح ضحية المجزرة ستة على الأقل(خمسة  من المعتصمين وضابط جيش برتبة رائد) أمام القيادة العامة فضلا عن إصابة 200 ثائر بإصابات، منها 10 إصابات خطيرة نتيجة لإطلاق الرصاص الحي من قبل قوات بزي الدعم السريع على حراس المتاريس في محيط الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش بعد محاولة تلك القوات إزالة المتاريس ورفض حراسها للإزالة .
في 15 مايو وفي هجوم مماثل وطبقا لبيان لجنة أطباء السودان المركزية فإن إصابات الرصاص بلغت 7 ، بينما 7 إصابات الأخرى حدثت من جراء الضرب بالعصي أو بكعب البنادق أو الهراوات.

قائمة الاتهامات
للوهلة الأولى وعقب التصريحات الإيجابية بعد جلسة التفاوض الأولى في 13 مايو، بدا وكأن الهجوم يستهدف هز الثقة التي تنامت ما بين وفدي قوى إعلان الحرية والتغيير والمجلس العسكري عقب الاتفاق على الصلاحيات والسلطات في المجالس الثلاث.. وذهبت التحليلات إلى أن المتهم الأول والأخير هو ميليشيات الظل خصوصاً وأن قنوات فضائية نسبت لمصدر بالاستخبارات قوله إن من هاجم المعتصمين هم مجموعة تتبع لـ علي عثمان محمد طه، وأنه تم الحصول على قائمة بـ180 شخصاً.. فيما أصر عدد كبير من الثوار من حراس المتاريس ومن المصابين على أن من هاجمهم هم قوات الدعم السريع. بيد أن المفاجأة تجلت فيما كشفه د.أمين جعفر وتناقلته وسائط التواصل الاجتماعي..

أدلة وبراهين
د.أمين جعفر قطع بأن ما يحدث أمر مدبر ومخطط له، معززاً اتهاماته بأدلة من الميدان، وابتدرها بأنه في يوم 12 مايو تم إغلاق كوبري الحديد من قبل قوات الدعم السريع من ناحية بحري ومنع الناس من المضي مشياً على الأقدام و تكتل الثوار المعتصمون و بإصرارهم تم فتح الكوبري، ونسبت إلى أسباب واهية أن هنالك مندسين يحاولون الدخول بالكوبري (دليل١) ليمر اليوم على خير.
وكشف د.أمين عن أنباء وصلته عن اعتقالات حدثت لضباط وأوامر تحرك للضباط الشرفاء الذين شاركوا في بداية الاعتصام إلى الفاشر وولايات أخرى خارج الخرطوم على ان تنفذ فوراً (دليل٢).
وأشار أمين إلى أنه في يوم13 مايو حدث نفس الشيء بنفس التفاصيل وفي نفس المكان مع اختلاف قوة وحدة الخطاب مع المعتصمين وبعدها قام (ضابط جيش) (دليل٣) بإصدار أوامر بإطلاق رصاص كثيف على الأرض لفض المعتصمين أصيب على إثره شخصان وتم بعدها إغلاق المدخل تماماً، وأضاف: أكملنا شعائر الإفطار و بدأنا نسمع في صوت الرصاص من عدة جهات وأولها كوبري الحديد ثم البحرية ثم شارع الجامعة ثم شارع الجمهورية، وسط هدوء تام لأفراد الجيش والدعم السريع بجانبنا و هم يواصلون احتساء الشاي والقهوة ولكن هذه المرة أمام بواباتهم فقط وليس معنا كما يحدث كل يوم(كأنهم يعلمون!!) (دليل٤).
وأوضح د.أمين أنه على ضوء ذلك بدأوا في الركض لينتهي بهم المطاف في شارع النيل، وأضاف: لنفاجأ بالمعتصمين يحملون الجرحى و المصابين و أفراد من الجيش ينظرون، بعضهم نظرة من لا يعلم والآخرون كانوا يعلمون تماماً. كاشفاً عن أنه بدأ يصرخ فيهم أن قوموا بواجبكم فردوا أنه تم سحب سلاحهم كاملاً يوم 12 مايو وصباح يوم13 مايو، وأن لديهم تعليمات بعدم الاشتباك (دليل٥).
ونقل د.أمين جعفر ما دار بينه وبين أحد الضباط على خلفية صدمته من حديث الجندي، وقال: هرعت لمكان الضباط الآمرين لأحثهم على الخروج فإذا برائد يعطيني درساً عن الحريات ويخبرني أنهم وقفوا معناً سابقاً فماذا وجدوا غير الاستفزاز وعدم الاحترام، وأنهم لن يقفوا معنا اليوم، مورداً عبارات الضابط: (موش قلتوا بتقدروا عليهم براكم أها الليلة أقدروا عليهم، نحن ما متحركين من هنا وقت هادية تنبذونا ووقت الرصاص تجوا تحتموا بينا) فصعقني حديثه و ذكرته بالقسم فأجاب قسمي هو طاعة القائد الأعلى (دليل٦). منوهاً إلى ازدياد حدة الصراع لتتدخل دوشكات الدعم السريع (دليل٧) و بدأت تطلق رصاصها في المعتصمين على مرأى ومسمع من الجيش و بقايا الدعم السريع داخل أرض الاعتصام لم يحركوا ساكناً إلا بعضهم من الشرفاء أصبح يصرخ هستيرياً أعيدوا أسلحتنا هؤلاء إخواننا يجب أن نحميهم ومن أغمى عليه من الغضب وليس بيديهم حيلة وأكدوا أن هذا من فعل قياداتهم (دليل٨) و تحرك قليل منهم ليحموا المعتصمين وتم قتلهم وإصابتهم بوحشية من المهاجمين.
ووجه د.أمين أسئلة وصفها بالمنطقية ابتدرها لماذا تم سحب السلاح من الجيش ؟
كيف دخل منسوبو كتائب الظل وكل المداخل محاطة بالدعم السريع والجيش تماماً ؟
أين كتائب الظل وأين أسلحتهم و لماذا لم يقبض عليهم حتى الآن في أكثر من شهر رغم اعترافاتهم الواضحة ؟ أين أعضاء المؤتمر الوطني ؟ أين أبو عشرة و خالد البدوي ؟
عموماً قوى الحرية والتغيير حملت المجلس العسكري كامل المسؤولية عن المجزرة وطالبت بتحقيق تجريه لجنة تقصي حقائق مستقلة أما المجلس العسكري فقد اتهم خلايا نائمة بتنفيذ المجزرة من مليشيات  النظام البائد وقد عرفت بتبعيتها لرمز النظام السابق علي عثمان محمد طه منذ بداية انتفاضة مدن السودان بتصريحه إن المظاهرات محدودة التأثير؛ لأنها لم تشهد إضراباً سياسياً، أو شللاً تاماً للحياة العامة، وقال للمتظاهرين: “ما عندكم قوة تقلعوا بيها النظام ده لأنه محمي بكتائب ظل ومليشيات تقف خلف مؤسسات الدولة، ومستعدة للموت في سبيل بقاء هذا النظام” .

اتهامات دولية
المفارقة في مشهد الاتهامات لم تكن في تسمية الدعم السريع أو كتائب الظل أو المجلس العسكري نفسه، وأنما فيما أورده قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) باتهامه جهات راغبة في جر البلاد إلى الفتنة تقف وراءها دول بتنفيذ (مجزرة الثامن من رمضان)  في الخرطوم، موجهاً قواته بتجنب أي احتكاك بالمواطنين، نافياً أي اتجاه لفض الاعتصام بالقوة لدى المجلس العسكري، مشدداً على أنهم لو أرادوا ذلك لأعلنوا عنه صراحة.
واستنكر حميدتي الاتهامات الموجهة لقواته إلا أنه أوصاهم بالصبر حتى تعبر البلاد إلى بر الأمان  وعدم رش أي مواطن ولو بماء ، مشيراً إلى التقدم الذي أحرز في التفاوض.
وتذهب التحليلات إلى أن الجهات الدولية التي لا ترغب في استقرار السودان ونجاح توقيع الاتفاق بين قوى إعلان الحرية والتغيير هي الجهات المتضررة من الاتفاق نفسه.

الظل والمسلحة
نائب هيئة الأركان الأسبق الفريق عثمان بلية أكد في حديثه لـ(السوداني) أن العناصر التي تسببت في مجزرة الثامن من رمضان محلية الانتماء، مستبعداً أن تكون هنالك أيادٍ خارجية وراء المجزرة، مرجحاً الكفة الداخلية الرافضة للثورة والمتضررة من نجاحها ككتائب الظل والحركات المسلحة التي تعتاش من استمرار وبقاء الوضع على ما هو عليه.
المحلل السياسي د. الحاج حمد يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن الاجتماع بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير خلص إلى تكوين لجنة لتقصي الحقائق حول المجزرة وتقديم الجناة للعدالة، مستنكراً أن يعاد ذات سيناريو بإطلاق النار على الثوار العزل في اليوم التالي للمجزرة، قاطعاً أنه من غير المعقول أن يتم إطلاق الاتهامات للجهة التي تقف خلف ذلك بدون جمع المعلومات وتقصي الحقائق وتقديم الأدلة للعدالة والقبض على المنفذين.
ويرى د.الحاج أن الاتهامات المتبادلة تصرف غير مسؤول واستهتار بين طرفي المعادلة الأمر الذي سيؤثر على سيادة حكم القانون وإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب التي كانت سائدة بالنظام البائد، مشيراً إلى أن الاستهتار صاحب لجنة تقصي الحقائق التي لم تباشر مهامها بخطوات واضحة حتى الآن وكذلك الأمر بالنسبة لتعليق المفاوضات.
الدبلوماسي الطريفي كرمنو يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى استبعاد أن تكون هنالك جهات خارجية ضالعة أو تقف وراء المجزرة باعتبار أن هذه الدول ليست لديها المصلحة الكبيرة التي تدفعها لفعل كهذا، منوهاً إلى أنه قد يكون لحميدتي مبرراته في اتهام دول بذلك، وأضاف: المجزرة تقف وراءها جهات داخلية كانت منتفعة من النظام البائد ولا تريد أن تقوم قائمة للحكومة المدنية الانتقالية، مشيراً إلى كتائب الظل والمؤتمر الوطني والأمن الطلابي ، وأضاف : من غير الوارد أن يكون لحميدتي دور في هذه المجزرة لأن الرجل من الداعمين للحراك الثوري في الوقت الذي كان فيه من المقربين جداً للرئيس المخلوع البشير، منوهاً إلى أنه عندما اختلف حميدتي مع رمز النظام البائد أحمد هارون قال الأول إن هارون مكانه السجن وليس والياً لولاية وعندها جمعهما المخلوع وأقام بينهما مصالحة وقال إن الرجلين من رجاله ولن يفرط فيهما ومع ذلك دعم حميدتي الحراك.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.