تراسيم ||عبدالباقي الظافر

من الثورة إلى الدولة..!!

شارك الخبر

لم يكن أحد يتوقع أن يخرج صوت من تونس الخضراء ينادي بالعودة لحكم العسكر.. في مستهل العام ٢٠١٣ بلغت روح الثورة الحلقوم.. اغتيالات في صفوف قادة الأحزاب السياسية.. ارتفاع الإضرابات عن العمل. تدهور مريع في الاقتصاد وزيادة في نسب العطالى.. في وسط هذا الظلام الدامس كان هناك ضوء في آخر النفق.. اجتمع الشيخان في باريس في أغسطس ٢٠١٣.. اللقاء الذي جمع قايد السبسي رئيس تونس ورئيس الحزب الحاكم فيها مع الشيخ راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة التونسية أعاد الأمور لنصابها.. قدم الطرفان تنازلات كبيرة.. انسحبت النهضة من الحكومة رغم قوة تمثيلها في البرلمان واعترف حزب نداء تونس العلماني بدور سياسي لحركة النهضة ذات الاتجاهات الإسلامية.. لم يعد مستبعدا الآن أن ينسق الشيخان في الانتخابات التونسية المقبلة وذلك بعد أن شق رئيس الوزراء يوسف الشاهد عصا الطاعة في حزب نداء تونس.
في السودان بدأت ترتفع أصوات الإقصاء والإقصاء المبادل.. قدم الأستاذ علي محمود حسنين مقترحا للعزل السياسي يستهدف محاسبة رموز الإنقاذ حتى في قبورهم.. وتمتد الملاحقات لتشمل المؤيدين والمؤيدات على مدى ثلاثين عاما.. لا يستثني حسنين إلا أصدقاءه في الحركات المسلحة والذين سالموا الإنقاذ وأخذوا مقاعدهم في القصور والبرلمانات ثم خرجوا عليها.. في المقابل خرج حلف جديد يستتر بواجهة السلفية السرورية.. هذا الحلف لحم سداته من أركان الحركة الإسلامية بمختلف عناوينها.. خرج الحلف إلى الساحة بعد الاتفاق بين المجلس العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير حيث تم تقاسم السلطة دون النظر إلى سعة الملعب السياسي.
رغم ارتفاع حدة الخصومة في الأجواء الثورية إلا أن الإمام الصادق المهدي صب قدح من الماء البارد على نار الخلاف.. ففي مقال للإمام انتشر مؤخرا قدم عدد من المقترحات للتعامل مع أهل مكة السودانية.. حيث قدم الإمام مقترح التوبة السياسية لرموز العهد السابق ليسمح لهم بممارسة العمل السياسي خلال الفترة الانتقالية دون المشاركة في هياكل الحكم. كذلك دون إسقاط مبدأ المحاسبة الفردية.. بل نادى الإمام بضم المعارضين الإسلاميين لصف الكتلة الثورية.. على ذات صراط الحكمة مضى إبراهيم الشيخ الرئيس السابق لحزب المؤتمر السوداني حيث كتب في إحدى مجموعات الواتساب “الثأر والانتقام لن يجلب سوى الندم”.. ووجه إبراهيم الشيخ نصيحة غالية لرموز الحركة الإسلامية خلال فترة الانتقال.
في تقديري، من المهم جدا أن تنتقل البلاد من حالة الثورة الاستثنائية لحالة الدولة الدستورية.. صحيح أن شمولية الإنقاذ مارست قدرا كبيرا من الظلم والإجحاف.. لهذا اندلعت الثورة.. فليس من المنطق أن نستبدل إجحاف الاستبداد بظلم الثورة.. من المهم أن تكون الخطوط الفاصلة وواضحة جدا.. لا محاكمة جماعية للأفكار.. ولا عزل سياسي إلا بعد إثبات جرم فردي بواسطة حكم قضائي نهائي وملزم.. أي انشقاق في الصف المدني أو تصادم بين الناس سيولد حكما عسكريا استبداديا يدفع ثمنه اليسار واليمين.
بصراحة.. كل التجارب العالمية في تجاوز مخاض الانتقال جاء في إطار من التسامح كما في جنوب إفريقيا وتونس.. في مصر حينما اختلف المدنيون وجنح فريق منهم لخطف السلطة وممارسة التمكين جاء جنرال من أقصى المدينة وأذاق الناس الظلم فيما العالم يتفرج بدواعي دعم الاستقرار ومحاربة الإرهاب.. والعاقل من اتعظ بغيره.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.