حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني

الليلة يوم….

شارك الخبر

(1)
لَيس هُناك أسوأ من الفِترة التي تَعيشها بلادنا الآن، حَيث الفراغ الإداري والفراغ الدستوري وعدم اليقين في كل شئ, الكل يُريد إظهار عضلاته السِّياسيَّة مع انعدام آليات المُعايرة واشتداد الاستقطاب السِّياسي، الأمر الذي يفتح الباب لكثير من المَصَائب والتي كَانَ يظن البعض أنّها فزاعات ليس إلا, عليه يصبح البند الأول في الأجندة الوطنية في هذه اللحظة هو تَشكيل حكومة لملء هذا الفراغ، ومن المُؤكّد أنّ تشكيل الحكومة لن ينهي الاستقطاب ولن يُوحِّد الجميع، ولكنه يُنظِّم الخلاف ويضع الصِّراع في مَجاريه الواضحة.. فالحكومة حُكومة والمُعارضة مُعارضة ويستمر التدافُع بينهما كل من (حفرته)، ومن ثَمّ تتبلور الكُتلة الحيوية التي تنشأ بينهما ويعمل الطرفان (حُكومة ومُعارضة) على كسبها، فهذه الكتلة الحيوية وإن شئت قُــل الأغلبية الصّامتة هي الضامن الأول للاستقرار لأنّها لا تحكم، بل تحمل قلم التّصحيح الأحمر وتَرفعه في وجه الحكومة بالدرجة الأولى ثُمّ في وجه المُعارضة, وإن كُنّا نتمنّى لو كانت الفترة الانتقالية بدون مُعارضة ولكن قدّر الله وما شاء فعل.
(2)
اليوم الأحد يُفترض أن يلتئم المُتفاوضُون من المجلس العسكري الانتقالي وقُوى الحُرية والتّغيير لاستكمال التفاوُض الذي انقطع 72 ساعة بأمر من المجلس العسكري، ونتمنّى من القلب أن يكتمل هذا التفاوُض الذي قَطَعَ شَوطاً كَبيراً قبل توقُّفه، وأن يتّفق الطرفان على تكوين المَجلس السِّيادي، فهو المُتبقي من مُؤسّسات الحُكم الانتقالي، فإذا ما تَمّ ذلك سَوف تَسُـــــود البلاد حالةٌ من الارتياح، لأنّها سوف تخرج من المرحلة التمهيدية إلى الفترة الانتقالية الواضحة المعالم.
من المُؤكّد أنّ هناك فصائل لن تسعد بذلك، لأنّها كانت تتطلّع للشراكة في الفترة الانتقالية، فلتتحوّل هذه الفصائل إلى خانة المُعارضة، فقد كانت بعض هذه الفصائل جُزءاً من نظام غير ديمقراطي سَطَا على الحُكم بدبابةٍ، فالآن قُوى الحُرية والتّغيير تَستحوذ على الحُكم بلحظة انفعال ثورية فلتعطى الفُرصة لتُقدِّم ما عندها.. وفي النهاية العِبرَة دوماً في كيف يكون الحكم وليس من يحكم.
(3)
في تقديري، إنّه أمام قُوى الحُرية والتّغيير فُرصةٌ تاريخيةٌ لتقدِّم نُموذجاً بَاهراً لحُكم البلاد رغم سُوء الأوضاع المَوروثة، ويُمكنها محو آثار الإنقاذ بالسَّير في الاتّجاه المُعاكس لها، ويَبدأ هذا بوضع الرجل المُناسب في المكان المُناسب خَاصّةً فيما يتعلّق بالحكومة التّنفيذيّة (مجلس الوزراء)، الذي اتّفق على أن يكون من شخصياتٍ وطنيةٍ سياسيةٍ غير مُتحزِّبةٍ تمتاز بالكفاءة، يتزامن مع ذلك وضع برنامج إسعافي ينقذ اقتصاد البلاد المُنهار، ويتزامن مع ذلك السعي نحو السَّلام بخطواتٍ سريعةٍ، ويتزامن مع ذلك فتح ملفات الفساد واسترداد المال المنهوب، ويتزامن مع ذلك إقامة دولة القانون والعدالة ورَدّ المظالم وجبر الأضرار، فكل هذه أولويات يُمكن أن تسير جنباً إلى جنب وفي وقت واحد ولا تحتاج إلى توالٍ إذا أحسن تقسيم المهام.
أخشى ما أخشاه أن تقع القوى الحاكمة في الفترة الانتقالية في مُستنقع الانتقام والتشفي الذي يتأبطه البعض، أو تنجر إليه انجراراً بواسطة خُصُومها، وفي نفس الوقت نتمنّى على الذين سَيقفون في صف المُعارضة، أن يُعارضوا بوطنيةٍ وشَرَفٍ، فإن كانوا قَد فشلوا في حُكم البلاد، فأمامهم فُرصة لكي ينجحوا في المُعارضة ويُصَحِّحوا مسيرتهم بالمُراجعة للذات ليقدِّموا أنفسهم من جديد.. فالأيّـام دُوُلٌ بين الناس..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.