تراسيم ||عبدالباقي الظافر

هل ستجب الثورة ما قبلها..

شارك الخبر

في ذاك اليوم تلقيت اتصالا من قناة الجزيرة.. طُلب مني التعليق على الهواء مباشرة على قرار الرئيس البشير بإعادة الفريق صلاح قوش لمنصب مدير جهاز الأمن.. قلت إن الرئيس كتب نهايته بيديه.. بالطبع لم يكن ذاك التوقع رجما بالغيب ولا براعة في قراءة الأحداث.. فقد توفرت لنا مجموعة من الصحفيين فرصة التواصل مع صلاح قوش أثناء تقاعده المفاجئ عن العمل.. رغم أن الرجل تميز بخاصية الكتمان التي تميز رجال الأمن.. وكان دائما في حالة لهفة لجمع المعلومات وتحليلها رغم ابتعاده عن الحياة السياسية.. عبر تلك الجلسات تأكد لو أن قوش لن ينسى تلك الإهانة المتمثلة في إبعاده عن العمل ولاحقا رميه في السجن.
من المفيد أن نبدأ بسيرة لفريق صلاح قوش مع الإنقاذ حتى نال لقب رجل الإنقاذ القوي.. حيث ترأس جهاز الأمن والمخابرات لدورتين انتهت آخرهما بنجاح الثورة الشعبية.. تبدأ عقدة قوش مع المشير البشير إلى أغسطس ٢٠٠٩ حيث تم إعفاؤه من منصبه في أغسطس نتيجة لوشاية أحكم نسج تفاصيلها الفريق طه عثمان مع بعض كبار ضباط جهاز الأمن.. لم ينته الأمر إلى الإعفاء المذل، بل وصل لاحقا إلى اعتقال قوش بتهمة الاشتراك في تدبير انقلاب عسكري في نوفمبر ٢٠١٢.. رغم صدور عفو رئاسي عن كل الضباط المتهمين بالتخطيط للانقلاب إلا أن اعتقال قوش استمر لشهور إضافية حتى نجحت وساطة أهلية في الإفراج عنه لاحقا بعد أن مكث عاما في السجن لكن بذات الفجائية التي غيبت قوش عن المشهد عاد الرجل في فبراير ٢٠١٨ لذات منصبه السابق كرئيس لجهاز الأمن والمخابرات، وسيتضح لاحقا أن ذاك التقدير كان خطأ قاتلا ارتكبه المشير البشير ومرده إلى الثقة الزائدة في النفس والإحساس الزائف.
في أربعة عشر شهرا تمكن قوش من تجريد المشير البشير من أخلص حلفائه.. حيث أوعز للرئيس بتغيير كل قيادات المؤسسة العسكرية ما عدا قوات الدعم السريع.. أطاح قوش بهيئة قيادة الجيش.. ثم أزاح بضربة واحدة اثنين من أخلص حلفاء الرئيس.. تخلص من الفريق هاشم الحسين مدير الشرطة والذي بات واليا للخرطوم.. ثم انتقل الفريق عبد الرحيم رفيق البشير إلى مقاعد الاحتياط في هيئة الاستثمار.. شملت حملة قوش قيادة حزب المؤتمر الوطني حيث أبعد إبراهيم محمود المقرب من الدكتور نافع علي نافع.. بل وصل الأمر للإطاحة بالفريق بكري حسن صالح ساعد البشير الأقوى ونائبه الأول.. كان المشير البشير يستجيب مثل المنوم مغنطيسيا بسبب قدرة قوش على توظيف المعلومات وإشاعة خوف البشير من الرجال الأقوياء والذين ربما يزاحمونه في انتخابات ٢٠٢٠ والتي كانت حلما مرتجى للمشير البشير.
بل رشحت معلومات أن قوش سهل من دخول المتظاهرين لحرم قيادة الجيش.. كما غض الطرف عن بعض نشاط تجمع المهنيين والذي اتخذ من منهج حركة تمرد المصرية أسلوبا في العمل.. لم يعد خافيا الدور الذي لعبه قوش في حمل اللجنة الأمنية في الانقلاب على المشير البشير.. بل تولى لاحقا تأمين مفاصل الثورة الظافرة موظفا كل ذخيرته المعلوماتية في الإيقاع بحراس البشير ورموز الدولة السرية الموازية.. بل ابتلع قوش قرار إعفائه من جهاز الأمن ومضى إلى داره هادئا مطمئنا بعد أن خلّص السودانيين من استبداد ثلاثين عاما.
في تقديري، من المهم أن يكون هناك معيار جديد في المحاسبة في عهد الثورة الظافرة.. لن يستوي الذين خدموا الإنقاذ حتى داهمها طلق الثورة والآخرون الذين أدوا دورا في التعجيل بالانتصار.. صحيح أن الانحياز ربما جاء بدوافع التماس سبل النجاة.. أو تأسيسا عبر خصومة سابقة وجدت في الثورة فرصة للثأر.. أو حتى خدمة لحلفاء خارج الحدود.. هامش النوايا الحسنة لا يسقط المحاسبة الفردية لكنه يعلي من ميزان الإنصاف.. ليس قوش وحده الذي جنب السودان سيناريو فنزويلا حيث تطاول أمد التغيير بسبب تخاذل المؤسسة العسكرية في الانحياز للواجب الوطني والوجدان السليم.
بصراحة.. نطالب بإعلاء رايات التسامح.. لأن الثورة الوليدة تحتاج لتقليص جبهات القتال.. من المفترض أن تتضافر الرؤى من أجل إصابة المستقبل.. النظر إلى الماضي يبطش من مسيرة الانطلاق.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.