حاطب ليل ||د.عبداللطيف البوني

علي محمود حسنين (1939-2019)

شارك الخبر

(1)
أول مرة شاهدته فيها كفاحا كانت في 1985 عندما جاء لقريتنا في ليلة سياسية يدعو فيها لمرشح الحزب الوطني الاتحادي الحاج مضوي محمد أحمد. وبعد أن فرغ من الهجوم على نظام نميري العسكري هاجم السيد الميرغني، وقال إن تعاونه اللامحدود مع النميري أخرجه من الحزب الاتحادي الديمقراطي. وبما أنه قد سطا على الحزب فإنهم تركوه له وعادوا إلى الحزب الوطني الاتحادي حزب الحركة الوطنية الذي لم يداهن الاستعمار ولم يتعاون مع العساكر لا في زمن عبود ولا زمن النميري ثم اختتم حديثه بأهمية التمسك بالديمقراطية مهما غلا ثمنها.
(2)
منذ ذلك التاريخ لم أشاهده إلا في ليلة الأربعاء وفي فضائية “سودانية 24” في حلقة تلفزيونية شاركه فيها الأستاذان نبيل أديب ومحمد لطيف، والبرنامج من تقديم عمر عائس فكان نفس كلامه ونفس حماسه لا بل ونفس صوته ونفس شكله قبل حوالي ثلاثة عقود ونصف، ولذلك يمكننا أن نطلق عليه وبكل اطمئنان أنه ملك مقاومة الأنظمة العسكرية حيث أمضى 52 عاما من عمره (80 سنة) في مقاومة الحكم العسكري بفتراته الثلاثة. ست سنوات عبود و16 سنة النميري و30 عاما البشير، ولكن الذي قد يكون فات على الكثيرين أن الأستاذ علي كان يقوم بعمل مزدوج فمع مقاومة النظم العسكرية كان مهتما بالبناء الحزبي فقد أنفق جهدا كبير ومضنيا في بناء الحزب الاتحادي وكان جوهر فكرته يقوم على أن الديمقراطية لا بد لها من أحزاب ديمقراطية وأن الحزب الاتحادي إذا لم يمارس الديمقراطية في داخله فلن يقدمها للآخرين وكان ضد القيادات الطائفية والموروثة، وأكاد أجزم أن العنت الذي واجهه الأستاذ علي داخل حزبه أكبر من ذلك واجهه في مواجهة العسكر.
(3)
كان الأستاذ علي مهموما بالبناء القانوني، وكان يعتقد أن أي خطوة تجاه أي تصرف سياسي لا بد لها من سند قانوني لذلك قدم الكثير من مشروعات القوانين وكان أهمها مشروع قانون الدفاع عن الديمقراطية، الذي تحول إلى قانون بعد أن وقعت عليه معظم الأحزاب بعد نهاية الحكم المايوي، ولكنها للأسف لم تلتزم به بل التزم به هو فقط ولم يحد عنه قيد أنملة. في اللقاء التلفزيوني المشار إليه أعلاه كشف الأستاذ علي أنه يتأبط الكثير من مشروعات القوانين لمقبل الأيام، ولهذا يمكننا القول وباطمئنان أن راحلنا المقيم الأستاذ علي بذل كل ما يمكن من جهد لضبط الحياة في بلادنا بالقانون الذي هو مجال تخصصه ومكان إبداعه.
(4)
الأستاذ الراحل علي محمود لم يشارك في دولاب الحكم، إذ أنه حسب علمي لم يتقلد منصبا تنفيذيا، ولكنه مع ذلك استطاع وبجهده ومثابرته والأهم مبدئيته وإصراره على البناء الديمقراطي أن يقدم الكثير لأمته ويخدم وطنه، لا بل ظل اسما في حياتنا أكثر بكثير من الذين حكمونا حكما مباشرة وسيظل قدوة للكثير من الوطنيين المخلصين الذين لا يرهنون خدمتهم لبلادهم بمنصب أو مصلحة ذاتية، فاللهم ارحمه وأكرم نزله وأسكنه الفردوس الأعلى وألزم أهله ومحبيه ومحازبيه الصبر والسلوان واجعل البركة في ذريته وأمته جمعاء.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.