عبد الرحمن أبو القاسم محمد

تحالُف القوى السِّياسيَّة دليل عافية

شارك الخبر

أكثر من مائة وخمسين تنظيماً سياسياً دُون تحالُفات يجهض أيِّ عملية تَحَوُّل ديمقراطي ويُهدِّد عملية التبادُل السّلمي للسُّلطة, لأنّ المُواطن هو الذي يختار من يمثله ويُحقِّق له مُتطلباته, فما هي معايير الاختيار من وسط هذا الكم الهائل من التّنظيمات السِّياسيَّة. هذا الكم من الأحزاب خَدَمَ أجندة الحزب البائد (فرِّق تسُد)، أمّا هذه المرحلة الحَرجة تتطلّب التّحالُفات والاندماج للتنظيمات السِّياسيَّة. فلو كانت قُوى الحُرية والتّغيير حزباً سياسياً واحداً لما نجحت في تمثيل الحِراك الجماهيري, ونُشير هُنا أنّ أيِّ مُفاوضات مُفكّكة وخلافات في مُكوِّناتها وعدم تَوافُق فيما بينها والطرف الآخر (الشريك في التّغيير) وعدم تقديم أيِّ تنازُلات يزيد الموقف تعقيداً، ويفتح نوافذ للثورة المُضَادة، ولا سَيما أنّ هنالك حملة إسفيرية وإعلامية شَرسة للوقيعة بين طرفي التفاوُض, شَكّلَت بَعض الآراء السَّلبية لشعبٍ يدّعي المعرفة السِّياسيَّة والحصافة في شُعُورٍ ثَوري مُفرطٍ.
فيما يتعلّق بالقُوى السِّياسيَّة السُّودانية حاكمةً كانت أو مُعارضةً أو مُواليةً, لضمان عملية التداوُل السَّلمي للسُّلطة، نجدها ليست محل ثِقة منذ الاستقلال بسبب خللها البنيوي وابتعادها أحياناً عن المُؤسّسية ومُمارستها لقيادة الفرد الواحد, ولذلك تَشَظّت وانقسمت على نفسها بسبب تَكوينها الهََش الذي كان بمثابة ثغرةٍ استغلها النظام البائد فتفرّقت بين قيادات تفتقر على قاعدة جماهيرية, ومن المعروف أنّ أيِّ تنظيمٍ سياسي يُقاس بجماهيره ومَــدَى التفاف تلك الجماهير حول القيادة, ولذلك لا بُدّ أن تُعاد تلك الثقة المفقودة بينها وبين المُواطن، ولا سيما أنّ الاستنصار بتأييد الشّعب يُعد أحد المطلوبات للقُوى السِّياسيَّة, ففي الوقت الراهن، الوضع الاقتصادي ومعاش الناس كان السبب الأساسي لخروج الناس، ولذلك لا بُدّ من أن تمثل حاجات المُواطن الأساسية أولوية قُصوى, أما قضايا الحكم والصراع بين القوى السِّياسيَّة ينبغي ألا يكون الوطن والمُواطن أرض نزال لتصفية الحسابات بين القوى السِّياسيَّة إلا فيما يُصب في مصلحة المُواطن وينعكس إيجاباً على مَعيشته وأمنه واستقراره وكَرامته. من مُتطلبات المرحلة القادمة اتّحاد الأحزاب ذات الأرضية المُشتركة وإقناع المُواطن بفاعليتها في التّغيير، وخُصُوصَاً فيما يلي الجانب الاقتصادي ومعاش الناس والأمن والاستقرار والتداوُل السَّلمي للسُّلطة وإرساء قواعد الديمقراطية والشورى والشفافية والخُرُوج من نظام الحزب الواحد أو الشمولية إلى التّعدُّدية الحزبيّة.
اندماج أو تحالُف الأحزاب يُعد دليل عافية للحياة السِّياسيَّة, فتعدُّد الأحزاب وتواليها هندسياً في الفترة المَاضية جعل الواقع السِّياسي فَوضوياً, وفقدت ثِقَة المُواطن, مِمّا جَعَلَ البََعض يلجأ إلى العَمل المُسَلّح لإسماع صَوته, فكان الهدف من هذا التشظي وجود حزبٍ واحدٍ مُمسكٍ بكلِّ شئٍ، بجانب أحزاب صغيرة تستوعب السُّواقط من بقية الأحزاب التي لها وزنها ورشوتها سياسياً واقتسام كعكة السُّلطة. نحن الآن في مرحلة جديدة تحتاج إلى توافُقٍ بين كل القُوى السِّياسيَّة من أقصى اليَسار إلى أقصى اليَمين دُون إقصاء أو استعلاءٍ، ولا بُدّ من التّعافي من كُلِّ عِلل تصفية الحِسَابَات والتّشفي, طَالما كُل حزبٍ أو تنظيم سياسي يعمل لمصلحة الوطن, فالوطن هو القَاسم المُشترك الذي تتلاقى فيه كل الرؤى، وينبغي أن تُـدَار خلافات الأحزاب في غُرفٍ مُغلقةٍ، وعلى المُواطن بالنتائج والتّوافُق من أجل بناء الوطن وتَضَافُر الجُهُود للخُرُوج بالوطن إلى بَرّ الأمان.
نُمُوذج تَحَالُف القُوى السِّياسيَّة في هذه المرحلة يتمثّل في كُتلة قُوى الحُرية والتّغيير التي تَضم عَشرات التّنظيمات السِّياسيَّة ومُنظّمات المُجتمع المدني والمهني. فيُعَد هذا النُّموذج من التّحَالُفات نُمُوذجاً جيِّداً ينبغي أن يُحتذى به, فكل قُوى الحُرية والتّغيير مُجتمعةً تُعد محل ثقة للمُواطن. أما إذا انقسمت وتشظّت لا يثق فيها المُواطن لا سيما إذا قَامَ أيِّ حزبٍ أو أية جهة بقيادة دَفّة الأمور. هنالك تحالُفاتٌ خجُولةٌ من بعض القُوى السِّياسيَّة تمشي على استحياءٍ ولها أجندة في هذه المرحلة تضم عشرات التنظيمات السِّياسيَّة, عليها أن تستريح قليلاً وتَستمر في اندماج أكبر عددٍ من المُكوِّنات السِّياسيَّة في المُستقبل القريب, ومن الأفضل أن تعود بعض الأحزاب إلى أحزابها الأم وتبحث عن مُعالجة كل نقاط الخلاف فيما بينها وأحزابها التي خرجت منها.
خارج السور:
كل هياكل السُّلطة من مجلس الوزراء والبرلمان بأغلبية للحرية والتغيير وبقية القوى السياسية من غير النظام البائد وشركائه, وكُل الحكومة التّنفيذية مدنية من التكنوقراط غير الحزبيين, فماذا يضير إذا ترأس المجلس السيادي شخصية عسكرية ومُناصفة المجلس بين العسكريين والمدنيين من غير رئيس المجلس مع الفصل بين السُّلطات وتحديد الصّلاحيات وفاعلية البرلمان في اتّخاذ القَرارات والتّشريع والرقابة على أداء كُلِّ هياكل السلطة بما فيها مجلس السيادة.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.