الشربكا يحلها || أحمد دندش

غَابَ الكاسيت والغُنا بقى بـ(القسط)!!

شارك الخبر

قبيل سنوات، كَانَ هَـمّ كل مُتذوِّق للغناء السُّوداني يَقتصر على توفير (5) جنيهات من أجل الحُصُول على شريط كاسيت لفنّانه المُفَضّل، حيث كانت أشرطة الكاسيت هي المُوصل الوحيد (التكنولوجي) لمُنتوج كل الفَنّانين، حَيث لم تَظهر بعد في تلك الفترة العديد من الوسائل التكنولوجية المُتوفّرة حَاليّاً والتي تَعَدّدت وتَنَوّعت حتى صَارَ أمر الحُصُول على جميع أغنيات أيِّ فَنّانٍ لا يتعدّى (ضغطة زر).
قبل كل شئ، دعوني اعترف بأنّ ما حَدَثَ هو تَطوُّر طبيعي جداً لازم كل العالم – وليس السودان وحسب – لكن كما للتطوُّر إيجابيات، فإنّ له بعض الإفرازات السالبة التي تلقي بظلالها على المشهد، تماماً كما حدث في ما يتعلق بإنتاج الأغنيات السودانية الجديدة، حيث استغل بعض الفنانين (مَنزوعي المَوهبة) تلك النوافذ الإسفيرية والوسائل التكنولوجية الجَديدة وقَامُوا بإغراقها ببعض الأغنيات (الهَايفة)، الأمر الذي أدّى إلى انتشار (الفَوضى) التي نَتَجَت من صُعُوبة فَرض الرِّقابة على تلك النوافذ الإسفيريّة، بعكس السَّابق، حَيث كَانَت شركات الإنتاج الفني التي تَقوم بإنتاج الكاسيت تَفرض ضوابطها على الفَنّان وترفض إدراج أيِّ أغنية غير مُصَنّفة أو خادشة للحياء العام، الأمر الذي أسهم في التّقليل من انتشار الأغاني (الملغومة) – في ذلك الوقت – بينما وَجَدت حَظّها من الانتشار مُؤخّـراً بعد تَعَرُّض سُوق الكاسيت إلى (ضربة قاضية) كلّفته الكثير.
جَانبٌ آخر مُهمٌ للغاية يجب أن نصطحبه معنا في هذه القراءة السريعة لواقع الحال بعد اندثار الكاسيت، وهو الجَانب الذي يَتَعَلّق بـ(تنفيذ) الأغنيات المُنتجة عبر الكَاسيت قَديماً، ذلك التنفيذ عالي المُستوى والجَودة، والذي كَانَ يشرف عليه أساتذة المُوسيقى في البلاد بالتّعاوُن مع أمهر العازفين السُّودانيين، الشئ الذي كان يمنح المنتوج الفني ألقاً كبيراً ويسهم وبشكلٍ كبيرٍ في تقليل الأخطاء، أمّا اليوم فـ(تنفيذ) الأغنيات بَاتَ يقتصر على فَردٍ وَاحدٍ وهو (فني أستديو) يَقُوم بكل تلك الأعباء مِمّا يجعله غير قادرٍ تماماً على إخراج الأغنية بنفس الشكل القديم.
نَعم، انهيار سُوق الكاسيت، كان هو بداية التّدهور الكبير والمُعاناة المُتواصِلة للأغنية السُّودانية مُؤخّراً، فالتنظيم والجودة والإشراف على ما يُنتج عبر الكاسيت لا يتوفّر اليوم للكثير من الأغنيات، الأمر الذي أسهم ولدرجةٍ كبيرةٍ في ضعفٍ بائنٍ في الأغنية الحديثة والتي بَاتَ يُصاحب أغلبها خَللٌ كَبيرٌ في طَريقة التّنفيذ المُوسيقي وحتى في طريقة (العَرض)، تلك العوامل التي تَسَبّبت في تراجُع أغنيتنا المَحليّة بصُورةٍ كَبيرةٍ بحيث بَاتَت لا تقنع الجمهور السُّوداني، نَاهيك عن الجمهور العربي، وهي مُشكلة أخرى تُواجهنا في ما يتعلّق بتصدير أغنياتنا للخارج.
شربكة أخيرة:
يا حليل الكاسيت.. بعد غاب الغُنا بقى بـ(القسط)..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.