النفوذ العربي في السودان.. تناقض ومحدودية

ترجمة: سحر احمد

تقارير عدة تتناول مستجدات الشأن السوداني، تارة بالتحليل والتشريح، وأخرى بالتوصيف والنقل. بين هذا وذاك تبرز العديد من الكتابات والتقارير التي تقف خلفها مراكز الأبحاث والدراسات بل والصحف والمجلات ذائعة الصيت.. (السوداني) تنقل تقريراً عن الخبير السياسي في الشأن السوداني اليكس دي وول، قال فيه إن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر انخرطت بشدة في السودان بعد سقوط البشير، إلا أن الأشياء لم تمض وفقاً لما ترغب.

ماذا قال إليكس؟
وأشار الباحث البريطاني إلى أن الثوار في السودان الذين أطاحوا بالرئيس عمر البشير الذين يواصلون تنظيمهم يدركون الخطر الذي يمثله تدخل الدول العربية في الشأن السوداني، حيث تظهر جداريات المتظاهرين الأشخاص الذين يرفضون الأيدي المتداخلة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. كذلك واحدة من أكثر الشعارات شعبية هي «إما النصر وإما مصر»، في إشارة الى تصميم الناشطين على عدم الخضوع لثورة عسكرية مضادة كما حدث في جارتهم الشمالية، معتبراً أن هذه المخاوف كانت في مكانها حيث سارعت دول الخليج بدعم المجلس العسكري الانتقالي الجديد عقب الإطاحة بالبشير، وقامت بتحويل 500 مليون دولار نقدًا ووعدت بمبلغ 2.5 مليار دولار إضافي من السلع الأساسية.

ظنون ومذابح
الباحث البريطاني قال إن قادة الدول المعنية كانوا يجتمعون بشكل منتظم
ويشير دي وال إلى أن هذه تمثل الترويكا العربية – في إشارة إلى السعودية والإمارات ومصر – تُحَقِر المعايير والمؤسسات الديمقراطية للاتحاد الإفريقي، فعندما رفض مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عملية استيلاء المجلس العسكري الانتقالي على السلطة، مطالباً بنقل السلطة إلى المدنيين، قوضت مصر هذه الخطوة بالإصرار على تمديد الموعد النهائي لتسليم السلطة من 15 إلى 90 يومًا. وبعد عمليات القتل التي وقعت في الثالث من يونيو، حاولت بعد ذلك الضغط على مجلس السلم والأمن الإفريقي بعدم تعليق عضوية السودان.

من المذبحة إلى الصفقة
ظلت بعض الدول الإفريقية تقاوم وإن كانت مقاومة ضعيفة، حيث تمكن مجلس السلم والأمن الإفريقي من تحدي مصر وتعليق عضوية السودان، ويرجع الفضل في ذلك إلى الرئاسة النيجيرية القوية.
بعد ذلك، عيّن رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، موسى فكي، مستشاره محمد الحسن لبات مبعوثاً للاتحاد الإفريقي، لتحديد ما إذا كان السودان يستوفي شروط إعادة القبول.
ويشير دي وال إلى أن أسلوب لبات اتسم بالسرية ولم يشرك أحداً في مقترحاته، أما الأحاديث الهامسة التي كانت تدور حول الاتحاد الإفريقي أشارت إلى أن موسى فكي، وزير الخارجية التشادي السابق، قد توافق في رؤيته مع الرئيس التشادي إدريس ديبي الذي يفضل دور قوي للجيش في الحكومة السودانية وأنه تمت صياغة جدول أعمال لبات وفقًاً لذلك.
وفي أوائل يونيو، تدخل رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد شخصيًا لمحاولة التوسط في تسوية بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير، وعلى الرغم من أن مبادرة “أبي أحمد” تم تنفيذها مع الحد الأدنى من الإعداد أو التشاور، وركزت على العلاقة الأخوية كأساس لحل مشكلة سياسية، إلا أنها أتاحت الفرصة لإجراء محادثات بين الجانبين، علاوة على ذلك شكلت صيغة تقاسم السلطة أساساً لاتفاق العسكري والتغيير الذي وقع في الخامس من يوليو. ويقول دي وال إن دور الاتحاد الإفريقي في هذه الصفقة كان محدودًا ورمزيًا إلى حد كبير. وأن العمل الحقيقي تم خلف الكواليس من قبل الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين.
في إبريل ومايو، بالكاد تجاوزت الدول الغربية البيانات الروتينية لدعم الديمقراطية، إلا أنه بحول الثالث من يونيو الذي شهد أحداثاً دامية، تنامت المخاوف من انحراف الانتقال السياسي عن مساره.
وقد أدى هذا إلى قيام وزارة الخارجية الأمريكية في منتصف يونيو بإحياء دور مبعوثها الخاص السابق للسودان دونالد بوث عقب تقاعده.
ونبه دي وال إلى أنه منذ العام 2018، كان المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون يناقشون كيفية تنسيق استراتيجياتهم تجاه دول الخليج والقرن الإفريقي. وبدأت هذه المشاورات الداخلية تؤتي ثمارها الآن، سيما وأن هناك روتين ثابت للاجتماعات الدورية بين كبار الدبلوماسيين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد كان التركيز في يونيو للمرة الأولى على السودان.

تطورات لاحقة
وفي سلسلة سريعة من الاجتماعات في العواصم العربية ولندن، طرح الشركاء الغربيون المشكلة. وفي أثناء عرضهم للمشكلة، عرض القمع الدموي في الخرطوم سمعة السعودية والإمارات لخطر إضافي، في أعقاب توبيخ الكونغرس الأمريكي للمملكة العربية السعودية بسبب الحرب في اليمن، وقرار محكمة بريطانية بأن مبيعات لندن من السلاح للسعودية “غير قانونية”، كما جاءت تحذيرات بوجود دائرة انتخابية في الدول الغربية مستعدة للتظاهر ضد الأعمال الوحشية في السودان.
ويرى دي وال أنه إلى جانب هذه التحذيرات، من المرجح أن المملكة العربية السعودية وقادة الأمن في الإمارات العربية المتحدة فوجئوا بقدرة المتظاهرين السودانيين على الصمود. فبعد فترة وجيزة من مذبحة 3 يونيو، عاد الناس إلى الشوارع وخططوا لمسيرة مليونية في 30 يونيو. ولم يتبع السودانيون نموذج البحرين، حيث تفرق المتظاهرون بعد حملة واحدة، أو مصر، حيث سيطر الجيش من خلال القمع.
ويرى دي وال أن كل من الولايات المتحدة وبريطانيا كان لديهما سبب للدفع باتجاه التوصل الى اتفاق، على عكس ثورات الربيع العربي التي شكل فيها الإسلاميون جزءًا كبيرًا من حركات الاحتجاج، كانت انتفاضة السودان ضد نظام إسلامي. إضافة إلى أن انهيار النظام في السودان كان يهدد بفتح الباب أمام المتطرفين.
وقال الباحث البريطاني إن هذه الدوافع المشتركة أدت أخيرًا إلى عقد اجتماع شبه سري في الخرطوم شارك فيه قادة العسكري والتغيير إضافة إلى ممثلين من المملكة المتحدة والولايات المتحدة والسعودية والإمارات. واستخدم المشاركون في هذا الاجتماع الصيغة الإثيوبية التي سبق صياغتها للتوصل إلى الاتفاق الذي تم توقيعه في 5 يوليو. وكان مبعوثا الاتحاد الإفريقي لبات ومحمود درير الإثيوبي متعاونين لإضفاء صيغة عامة للاتفاق.

انشقاقات داخل الترويكا العربية
تشير بعض التكهنات إلى أن تأثير الترويكا العربية محدود. فيما تشير آراء أخرى إلى أن تأثير الشرق الأوسط في السودان مقيد.
ويرجح دي وال حدوث انقسامات داخل الترويكا العربية. فقد كان هناك انقسام كبير بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في شهر يوليو عندما سحبت الأخيرة – فجأة – معظم قواتها من اليمن. ولم يتم تقديم تفسير رسمي، لكن من الواضح أن القرار لم يتم بتنسيق مع السعودية، التي ما زالت متورطة في حرب مستعصية. ويُظهر قرار الإمارات أيضًا أن سياساتها تجاه القرن الإفريقي قد تكون أقل استراتيجية وأكثر نفعية.
وفيما يتعلق بمصر، فإنها تعتبر السودان كتابع لها، وتفخر بأنها أكثر فهماً للسودان، وتعتبر السعودية والإمارات كوافدين جديدين يسعيان للتأثير من خلال صرف الأموال، وحصرت مصر مطالبها من السودان بتسليم الإسلاميين المصريين في المنفى، وتعليق الصفقة التركية لتطوير قاعدة بحرية، والتنازل عن مطالبتها الإقليمية بمثلث حليب.

ويخشى اعديد من الجنرالات المصريين والسودانيين، الذين لهم علاقة وثيقة وطويلة الأمد، قوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، ولا يستطيعون فهم السبب في دعمه من قبل السعودية والإمارات.
وبينما تجد الدول العربية نفسها منخرطة في المفاوضات الداخلية بين السودانيين، فإنها ستواجه نقطة خلاف أخرى محتملة. فالسودان لا يحتاج إلى الديمقراطية فحسب، ولكن إلى السلام. وهذا يعني دور الإسلاميين في الخرطوم والولايات. كذلك تبنت قطر عملية السلام في دارفور على مدار عقد من الزمان، وسيكون من المستحيل تجاهل دور الدوحة أو دور الدوائر الانتخابية المتنوعة للإسلاميين في السودان. بعض هذه الديناميات بدأت تظهر بالفعل وتكشف عن عدم وجود استراتيجية مشتركة بين الترويكا العربية.
ونبه دي وال إلى أن الضباط العسكريين والسياسيين الذين تم اعتقالهم في الفترة من 27 إلى 28 يوليو في أعقاب الانقلاب المزعوم، كانوا من الإسلاميين المخضرمين وضباط الجيش الذين ليس لديهم ميول سياسية واضحة. ما وحد هذه المجموعة المتباينة كان خوفهم المشترك من حكومة يديرها حميدتي. ومن المحتمل أن يتقاسم كبار الضباط المصريين هذه المخاوف، ويعزز هذه الرؤية سفر حميدتي مباشرة إلى القاهرة عقب الإعلان عن هذا الانقلاب في محاولة واضحة لتهدئة وتطمين الرئيس السيسي.
ويرى دي وال أن الأوضاع الاقتصادية ستشكل ضغطا كبيرا في الشارع السوداني، وكذلك في المناقشات بين مستشاري ولي العهد في الرياض وأبو ظبي.
ويرى دي وال أن السعودية والإمارات قامتا باستثمار سياسي كبير في المجلس العسكري الانتقالي، ولكن الحسابات الاقتصادية ستدخل المعادلة بشكل متزايد. سيواجه القادة العرب ضغوطًا إضافية من مستشاريهم الاقتصاديين ورجال الأعمال الذين غرقوا في استثمارات سودانية.
حتى الآن، لم تتجاذب الترويكا العربية مع التناقض في سياستها السودانية. ومع تعمق الأزمة الاقتصادية في السودان، سيتعين عليها اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والدائنين الغربيين للحصول على المساعدة. وسيظهر ذلك مرة أخرى محدودية نفوذها.
ويرى دي وال أن الأزمة الاقتصادية ليست التحدي الهيكلي الوحيد الذي يواجه الديمقراطيين في السودان. فقوى التغيير تحتاج أيضًا إلى التعامل مع التحدي المتمثل في وضع جدول أعمال مشترك مع الجماعات المسلحة، التي تمثل في معظمها الدوائر الانتخابية في دارفور و”المنطقتين” في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وسيتعين عليها العمل على كيفية التعامل مع قطاع الأمن المتضخم والمجزأ في البلاد. في ذات الوقت ليس لدى الترويكا العربية أجندة على الإطلاق للتعامل مع هذه التحديات الأساسية أيضًا.
جدير بالذكر أن أليكس” دي وال ، باحث بريطاني في سياسات النخبة الإفريقية، وهو المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس. في السابق، كان زميلًا في مبادرة هارفارد الإنسانية بجامعة هارفارد، وكذلك مدير برنامج في مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية حول الإيدز في مدينة نيويورك.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.