خارج الدوام محمد عثمان إبراهيم

الكاتالوغ
في تحليل قوى المشهد الجديد (٣)

شارك الخبر

ثالثاً: الحزب الشيوعي السوداني (مال اليسار مع اليسار)
عبثاً أهدر الصحفي العربي البارز نورالدين زورقي وقته في محاورة عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي (السوداني) طارق عبد المجيد، فقد بدا مثل أي قيادي حركي شيوعي في السودان مشوش الذهن ضعيف العبارة قليل الانفعال بالأسئلة والقضايا التي تثيرها وفوق هذا سيئ الهندام. لم أهدر وقتي فقد توقفت عن المشاهدة والاستماع بمجرد أن بدأ الحركي في الإجابات العمومية، وتكرار الهتافات، والتهديد بالاحتكام للشارع!
في العام ٢٠٠٩م ابتدرت جدلاً في أحد منابر الإنترنت التي يقوم عليها شيوعيون مثقفون (غالبهم مبعدون عن هياكل ومؤسسات الحزب كما يجدر بالمثقفين هناك) أسسته على مقال كاتب يساري عراقي سخر من الميول اليمينية للحزب اليساري العتيق. كالعادة ضاق الشيوعيون برأيي وبتفاصيل ما كتبته في الحوار لكنهم لم يكونوا مفوضين بما يكفي من قيادة الحزب ولم تصل إليهم نشرة سرية بالرد فيما عجزوا هم عن الرد من الرأس في غياب الكراس!
بعد ذلك نشرت مقالاً محفزاً للشيوعيين على إعادة التفكير والنقد الذاتي لو أحسنوا الظن بالكتابة بعنوان (الميدان: صحيفة شيوعية بلا شيوعيين) أشرت فيه إلى عي الصحيفة وحصرها وعجزها عن تقديم ما يشي بأنها صحيفة تصدر عن مؤسسة عمادها الماركسية اللينينية وإنما تصدر كنشرة مشاغبة وتساءلت عن سبب إحجام الشيوعيين ذوي التأهيل العلمي والمعرفي العالي عن النشر في صحيفة حزبهم واللجوء بكتاباتهم إلى الصحف الأخرى (لم أقل الممولة علناً أو سراً بواسطة المؤتمر الوطني الذي كان حاكماً).
قبل يومين كتب الدكتور عبد الله علي إبراهيم، المثقف الرفيع والماركسي المستقل، مقالاً اختار له عنواناً كالنبوءة (جاءك الموت يا تارك الماركسية) أشار فيه إلى نقد غير الماركسيين للحزب بسبب التخلي عن التحليل الماركسي “في موقفه الأخير ضد الاتفاقين السياسي والدستوري”. من الضروري لقادة الحزب الشيوعي أن يقرأوا النصيحة المشفقة في عبارة الدكتور عبد الله المكثفة الدلالات والتي جعلت موت الحزب رهيناً بالتخلي عن الماركسية، إذ ليس من مصلحة السودانيين جميعاً خسارة المؤسسة العريقة وتحقيق المزيد من الاختلال لصالح اليمين في الطبقة السياسية الهشة.
من الواضح أن هناك قراءة قديمة متجددة بأن الحزب الشيوعي القديم يعاني من قلة عدد الشيوعيين فيه، وإن فترات العمل السري ما بعد رحيل زعيمه الراحل الشهيد عبد الخالق محجوب قد حولته من حزب طليعي يستقطب المتعلمين والمثقفين على أساس الفكر الماركسي والنظرية الاشتراكية، إلى منظومة سرية محدودة (وبرجوازية) توفر لقياداتها وظائف مدفوعة الأجر عبر (تذاكر التفرغ) وتفتح العضوية وفقاً لـ(نهج الولاء) المجاز في فقه القيادة السرية، والتي تمتلك أيضاً حق فصل الأعضاء وحرمانهم من الاعتراض على قرارات فصلهم أمام جهة مستقلة. هناك ضرورة حقيقية للإصلاح الهيكلي والقانوني الحزبي في السودان بحيث تتحول هذه الأحزاب إلى منظومات ذات أطر معلنة ومتفق عليها، وتمكين القضاء من فض المنازعات داخلها مثل جميع منشآت النفع العام الطوعية.
يقوم على قيادة الحزب الشيوعي شيوخ جديرون بالتوقير من كبار السن في الغالب، والذين قضوا في دهاليزه عشرات الأعوام، ومن يمكث في حزب سياسي عقوداً دون أن يحقق هدفاً واحداً من أهدافه فهو، للأسف، فاشل وفق أي تقييم موضوعي وعادل وليس لمقولات (مخضرم وملتزم) وغيرها من سوق في عالم الصراع السياسي، الهادف أصلاً للوصول إلى السلطة من أجل تحقيق الشعارات والأهداف والبرامج خدمة للجماهير. لا يمكن لرياضي البقاء في فريقه الرياضي لأربعين عاماً دون نجاح، وهكذا الحال في جميع مناحي الحياة، فلماذا تتكلس المنظومات الحزبية فتقعد بالجماهير عن تحقيق أهدافها بينما تزعم لقادتها المجد الكاذب الممنوح جزاء للخدمة الطويلة الفاشلة؟
إن قرار عودة الحزب الشيوعي إلى منصته المعارضة لا علاقة له بالموقف من محتوى الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وإنما له علاقة بالديناميات الداخلية للحزب. وقد كتبت قبل الرفض الرسمي للاتفاق في مجموعة للحوار الإلكتروني ما يلي “لو وافق المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير على تكليف الخطيب (المهندس محمد مختار) بصياغة الاتفاق ثم التوقيع عليه لما وافق الحزب الشيوعي. إن أي خروج للحزب الشيوعي من المعارضة الأبدية سيجعله في مواجهة استحقاقات حرية التعبير والانتخاب والتغيير داخل الحزب، والحل الوحيد أمام قيادته للحفاظ على سطوتها هو البقاء في المعارضة والاحتفاظ بسرية العمل التنظيمي”. لم يخذلني الحزب الشيوعي فالطريقة الوحيدة لضمان موافقته على أي تعاهد سياسي ينبغي أن تأتي وفقاً لوصفة اتفاق القاهرة التي شارك فيها في مؤسسات سلطة الإنقاذ بزعامة الرئيس السابق البشير تحت مظلة التجمع الوطني فيما بقي الحزب في المعارضة أمام جماهيره.
يحتاج قادة الحزب الشيوعي السوداني بشكل عاجل إلى مذاكرة كراسة الرفيق فلاديمير إليتش لينين (مرض الطفولة اليساري) وفق نصيحة الدكتور عبد الله علي إبراهيم المخلصة أما الماركسيون السودانيون فالفضاء مشرع أمامهم للإصلاح أو لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني الأصل، فحاجة الشعب إلى حزب شيوعي حقيقي، ملحة للغاية!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.