إليكم… الطاهر ساتي

أولويات!!

شارك الخبر

:: الشكر لله.. تقارير هيئة الأرصاد تُبشر كل ولايات بلادنا بمزيد من الأمطار، ونحن – حكومة وصحافة وشعباً – سوف نغرق في (شبر موية)، كما يحدث سنويا.. علما بأن السيول والأمطار لن تكون محض حدث عابر في بلادنا، ولكن بفضل الله – حسب هيئة الأرصاد – يشهد مناخ السودان تغيُّراً إيجابياً..( تغيُّر في المناخ يعزى بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى النشاط البشري والذي يفضي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض)، هكذا التعريف العلمي المتفق عليه..!!
:: ومعرفة النشاط البشري الذي يؤدي إلى تغيُّر في تكوين الغلاف الجوي للأرض من مهام الخبراء والعلماء.. ما يلينا – كمجتمع وسلطات – هو فقط تكييف حياتنا بحيث تواكب (المتغًيرات المناخية).. فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يمكن ترويضها، وهذا الترويض يعني المواكبة.. وكل الإقليم الشمالي لم يعد يختلف كثيراً – من حيث التأثير بالأمطار والسيول – عن أقاليم السودان الأخرى، وهذا من مؤشرات (التغُير الإيجابي).
:: والمياه – أينما وُجدت وكيفما هطلت أو سرت – فهي رحمة ، بيد أن الإنسان هو من يحولها إلى (عذاب)، وذلك بعجزه أو فشله في ترويضها واستغلالها في الزرع والضرع.. وهيئة الأرصاد غير معنية بمعرفة أسباب التغيُّر المناخي الذي تشهده ولايات الإقليم الشمالي، بحيث تكاد تتساوى كل ولايات السودان في (معدل الأمطار) و(مخاطر السيول).. وهيئة الأرصاد جهة خدمية مهمتها الرصد والتحليل فقط.
:: أما الدراسات والبحوث فهي مهام (الحكومة)، وذلك بالصرف على مراكز الأبحاث والدراسات صرف من لا يخشى الفقر.. علماً بأن التغيُّرات المناخية من القضايا الاستراتيجية التي تضعها الدول في قائمة الأولويات، وذلك لصلتها المباشرة باقتصاد الدول وصحة شعوبها.. وما لم تواكب حياة المجتمعات – تخطيطاً وتنفيذاً – هذه التغييرات المناخية، يصبح الحال العام (ميتة وخراب ديار).. وهذا ما يحدث حالياً بكل أرجاء السودان، وبشكل أعمق بنهر النيل والخرطوم وكردفان والنيل الأبيض والجزيرة.
:: والتجربة الجديرة بالتأمل هي نجاح نمط حياة أهل القضارف في ترويض السيول والأمطار.. نعم، لا تسمع أهل القضارف عويلاً وصراخاً في موسم الخريف، لأنهم ما بين الأسمنت والقطاطي تقاسموا (الوقاية الجيّدة).. وكذلك نمط حياة الأهل بدارفور وكردفان، ولا أعني سكان المدائن التي تعاني سوء التخطيط أو التخطيط في (مجاري السيول).. بل الأرياف الشاسعة ذات المساكن والمزارع التي تحتفي بالأمطار ولا تهابها أو تلطم الخدود.
:: ولأن الوقاية خير من العلاج، فالأهل بنهر النيل والشمالية والجزيرة والنيل الأبيض بحاجة إلى تغيير جوهري في نمط الحياة ليواكب هذا (التغيُّر المناخي).. بيوت الطين لم تعد تقاوم التغيُّر المناخي الذي يشهده السودان، وكذلك الاعتماد على النخيل وحدها – كمورد اقتصادي – لن يكون مُجدياً مع ارتفاع معدل الأمطار قبيل الحصاد بشهرين أو أقل، وكذلك المجاري وتصاريف المياه بالمدن لم تعد ترفا.
:: ولكن ماذا على المجتمعات أن تفعل لتُغيِّر نمط حياتها بحيث لا تتضرر بالسيول والأمطار؟ أي كيف يُمكن لهذه المجتمعات ترويض الطبيعة؟.. هنا يأتي دور الحكومة وتخطيطها الاستراتيجي الباحث في جذور الأزمة.. وعليه، إن كان النظام المخلوع يُدير البلاد بنظرية (رزق اليوم باليوم)، فمن أولويات حكومات ما بعد الثورة تفعيل التخطيط الاستراتيجي في كل مناحي الحياة، ومنها التخطيط الاستراتيجي الذي يُمكن المجتمعات مواكبة التغيير المناخي الإيجابي (بلا كوارث).

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.