السفير الألماني في الخرطوم أولريش فيلهلم كلوكنر لـ(السوداني): (…) هذا ما سنفعله لكي لا تفشل الثورة

حوار: محمد عبد العزيز

يبدأ وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس زيارة رسمية للسودان على رأس وفد يضم 30 مسؤولاً ألمانياً في زيارة ليوم واحد، توصف بأنها أرفع زيارة لمسؤول أوروبي على المستوى الثنائي عقب التغيير الذي حدث بالسودان. السفير الألماني في الخرطوم أولريش فيلهلم كلوكنر يبدو متفائلاً بالزيارة، ومستقبل العلاقات بين البلدين بعد نجاح الثورة والذي يصفه بأنه بمثابة فتح لكتاب جديد بين البلدين وليس مجرد صفحات. كلوكنر يكشف في هذه المقابلة تفاصيل الزيارة، إلى جانب العديد من القضايا التي تتصل بالعلاقات بين الخرطوم وبرلين ما كان وما سيكون:

•   ما هي أجندة زيارة وزير الخارجية الألماني للخرطوم؟

تأتي هذه الزيارة تتويجاً ومتابعة لزيارة وفد ألماني للسودان قبل أسبوعين، وألمانيا تعتبر من أكثر الدول الأوروبية اهتماماً بالشأن السوداني، لذلك سعت للقدوم سريعاً لمتابعة تطورات الأوضاع عن قرب وتهنئة الحكومة الجديدة وتأكيد دعمها ومساندتها.
• من سيكون برفقة وزير الخارجية الألماني في هذه الزيارة؟
سيكون في معيته وفد من الخارجية الألمانية، إلى جانب وفد إعلامي كبير يتضمن محطات تلفاز رئيسية وأهم الصحف الألمانية ونتوقع متابعة إعلامية كبيرة للزيارة باعتبارها حدثاً مهماً.
• ماهي تفاصيل برنامج الوزير الزائر ومن أبرز من سيقابلهم إلى جانب البرهان وحمدوك؟
أولاً ستتم مقابلة رئيس الوزراء ورئيس مجلس السيادة، ثانياً ستتم متابعة آخر التطورات المتعلقة ببعثة اليوناميد حيث إن ألمانيا تشغل الآن مقعداً في مجلس الأمن، وتمثل قضايا البعثة الأممية في دارفور أهمية بالنسبة لنا، أما الجزء الأهم والذي سيأخذ وقتاً أكبر يتعلق بالاجتماع بمن صنعوا الثورة، وزيارة ميدان الاعتصام، إلى جانب الاستماع لشهاداتهم عما حدث خلال الأسابيع الأخيرة.
• ما تقييمكم للأوضاع في السودان الآن بعد نجاح الثورة وبدء تشكيل الحكومة الانتقالية؟
 من المبكر جداً إصدار هذا التقييم، لقد دعونا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي لاجتماع في برلين مارس الماضي لتقييم تطورات الأوضاع في السودان، ودعونا لاجتماع آخر في يونيو وركزنا على الجوانب الاقتصادية وكيفية تقديم المساعدة للإصلاح الاقتصادي وبطبيعة الحال سنقوم بذلك عبر الأطر الثنائية، ونعتقد أن أول ما يحتاجه السودان هو رفع القدرات وكيفية تحقيق التغيير المنشود وتقديم النصح حول كيفية شغل الوظائف الحكومية بشكل مختلف عما كان يحدث إبان النظام السابق، وعقدنا اجتماعاً مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي أوضح أن نهجه سيكون مختلفاً عما سبق ويقوم على معيار  الكفاءة والعطاء وليس لأن الشخص على علاقة جيدة بالنظام الجديد، الأمر الثاني يتعلق ببرنامج الإصلاح الاقتصادي وهو ما سنناقشه مع الحكومة.
• هناك مخاوف من أن تفشل الثورة في السودان كما حدث في عدد من دول الربيع العربي؟
من الممكن أن يحدث هذا، ولكن سندعم الحكومة الانتقالية لتفادي هذا المصير عبر عملية الإصلاح الاقتصادي لجعل الحياة المعيشية سهلة بالنسبة للمواطن السوداني، والاستقرار في السودان سيكون رهين بالتعامل مع الأوضاع الاقتصادية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بمساعدة جماعية من الولايات المتحدة ودول الخليج وبالطبع الاتحاد الأوروبي، وإذا لم يتحقق ذلك، فسيظن المواطنون أن النظام السابق كان الأفضل، وسيكون من المحبط حدوث ذلك وضياع كل التضحيات والشهداء الذين قتلوا من أجل الثورة، كما ستكون هناك مخاطر من عودة النظام القديم، لذلك الحل الوحيد لعدم حدوث ذلك هو إحساس المواطن بأن الأوضاع تمضي نحو الأفضل، صحيح أن هذا لن يتم في لحظة ولكن مع الوقت بحيث تتوفر وظائف ويحدث استقراراً في العملة ويتحسن الاقتصاد ..هذا ما يجب على الحكومة القيام به وهو تحدٍ كبير.
• التحدي الأكبر للحكومة الانتقالية هو تحقيق التحول الديمقراطي بشكل يتزامن مع عملية سلام شامل ومستدام؟
أولويات رئيس الوزراء واضحة جداً، السلام والإصلاح الاقتصادي، وبالطبع إن الأمرين مرتبطان مع بعضهما البعض، فإن كان 70% من موازنتك تذهب للجيش من أجل العمليات العسكرية فينبغي عليك أن توقف الحرب، لذلك الأولوية للسلام، وألمانيا سعت خلال الفترة الماضية للمساهمة في ملف السلام خاصة في دارفور وجرت محادثات في ديسمبر الماضي في برلين، والآن الأوضاع تغيرت وكما قال رئيس الوزراء وكان محقاً في ذلك بأنه لم يكن هناك التزام حقيقي بعملية السلام من جانب الحكومة والحركات المسلحة، والآن الوضع مختلف تماماً حيث تظهر الحكومة والحركات المسلحة التزاماً حقيقياً بالسلام.
• واحدة من الانتقادات التي وجهت للسياسة الألمانية أنها سعت لإيجاد تسوية بين النظام السابق والحركات المسلحة؟
الأمر مختلف عما ذكرت، ألمانيا خلال السنوات الأربع الأخيرة سعت لرسم خارطة طريق تقوم على جمع الحركات المسلحة والمعارضة السياسية وتوقفت خارطة الطريق تلك قبل ثلاث سنوات بعد أن رفضت الحركة الشعبية شمال مقترح توصيل المساعدات، وعندها سعينا لإيجاد أرضية مشتركة للتوصل لسلام بين الحكومة وحركات دارفور العدل وحركة مناوي أما عبد الواحد فلم يرغب في حوار مع الحكومة، وحدث اختراق كبير في السادس عشر من ديسمبر في برلين إلا أن الثورة اندلعت بعد ثلاثة أيام، لنتوقف حينها، الآن أعتقد أن الأوضاع مختلفة تماماً عن ذي قبل باعتبار أن الجبهة الثورية جزء من كتلة نداء السودان التي هي جزء من تحالف قوى الحرية والتغيير. في الماضي كان الأعداء يسعون للسلام بعد قتال فيما بينهما، والآن السلام سيكون بين الإخوة، صحيح أن الأمور معقدة بعض الشيء، فالجبهة الثورية لديها مطالب خاصة يمكن تحقيقها، وسيكون التفاوض الرئيسي مع الحلو الذي لديه قوات عسكرية ومناطق خاضعة لسيطرته يعيش فيها نحو مليون شخص، وقد قابلت الحلو شخصياً وأخبرني بأنه لا يريد أي محادثات مع نظام البشير، والآن مع رحيل البشير أعتقد أن هناك فرصة للتوصل لسلام معه.
• هل من الممكن التوصل لسلام خلال ستة أشهر حسب برنامج الحكومة الانتقالية؟
الرسالة الأساسية هي سرعة تحقيق السلام، وبالنظر للمشاورات التي جرت مع الجبهة الثورية في الأسابيع الأخيرة في أديس أبابا والقاهرة، أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً  أطول، وستكون المفاوضات الأصعب والأهم مع الحلو، وإذا تم التوصل لسلام بعد 9 أشهر فمن سيهتم، المهم في النهاية أن يكون اتفاق سلام حقيقي.
• كيف يمكن لألمانيا وبقية أصدقاء السودان دعم عملية السلام؟
من الواضح والجيد ما صدر من الحكومة الألمانية خلال الفترة الماضية بأنها تريد أن تكون المباحثات هنا في الخرطوم وليس في جوبا أو أديس أو القاهرة أو الدوحة أو أبوظبي، وأعتقد أن هذا صحيح، وعلينا إيجاد الطريقة المناسبة لتنظيمها هنا، ويمكن الإشارة إلى نجاح المحادثات بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري إذا وجدوا الوسيط المناسب، ونعتقد أن الاتحاد الإفريقي سيكون مناسباً أيضاً لهذا الدور، وإذا رغبت الحكومة في الاستعانة بنا والولايات المتحدة كميسرين للمحادثات والاستفادة من خبراتنا فنحن جاهزون، ولكن القرار يبقى رهين برغبة الحكومة السودانية التي إذا رغبت بأن تقوم بذلك بنفسها فسيكون جيداً.
• تظل قضية المحكمة الجنائية الدولية واحدة من القضايا العالقة بين الخرطوم والمجتمع الدولي منذ النظام السابق ؟
 الأمر أكبر من المحكمة الجنائية إنه يتعلق بما يعرف بالعدالة الانتقالية، وعندما طرحنا الأمر على حمدوك أعطى إجابة جيدة، بأنه يريد أن يتم كل شيء في السودان، وهو يدرك أن ذلك يتطلب أن يكون النظام العدلي والقضائي في السودان على درجة عالية من المهنية والاستقلالية وفقاً لمعايير المحكمة الجنائية الدولية للتعامل مع مثل هذه القضايا محلياً، وأعتقد أنها إجابة جيدة، فإذا تم التعامل مع الملف ضمن عملية العدالة الانتقالية في السودان أو أي أفكار أخرى لِمَ لا، رئيس الوزراء يدرك جيداً أن هذا الموضوع مهم بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وسنمنحه الوقت للتعامل معه بأي أفكار تكون مناسبة.
• ماذا عن مستقبل اليوناميد؟
من الواضح أن مهمة اليوناميد ستنتهي العام القادم 2020 وفقاً لقرار مجلس الأمن، إلا أن السؤال سيكون هل هناك أي مهمات يمكن لليوناميد أن تقوم بها في دارفور. المهمة الأساسية كانت حفظ السلام، ومن الممكن أن تتحول لبناء السلام وهو عملية طويلة، سيكون من السيئ إيقاف كل شيء، لأن لا أحد سيهتم بشأن الأوضاع في دارفور من المهم أن يكون هناك دعماً ومساعدة لبناء السلام، لم نبدأ بعد في نقاشات مع الحكومة الجديدة بهذا الشأن، وننتظر وزير الخارجية الجديد الذي من المؤكد أنه سيمتلك أفكاراً جديدة للتعاطي مع الملف. نعتقد أن الحكومة الجديدة تحتاج لبعض الوقت لرسم تصوراتها للتعامل مع مثل هذه الملفات.
• بالعودة لمسألة الانعاش الاقتصادي، كيف يمكن أن تساعد ألمانيا فيما يلي مسألة إعفاء الديون الخارجية، وتشجيع استثمار الشركات الألمانية في السودان فضلاً عن تحقيق الاستفادة من اتفاقية التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا (كوتونو)؟
أعتقد أننا الآن نفتح كتاباً جديداً في العلاقات بين الخرطوم وبرلين، فالعلاقات بين البلدين في الماضي كان ينغصها وضع النظام السابق خاصة أن رأسه كان مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية. ألمانيا كانت أول دولة في الاتحاد الأوروبي دعت لعدم محاصرة السودان في ركن ضيق، ولكن دائماً كنا ندرك أن ما نفعله سيكون محدوداً بسبب وضعية النظام السابق في ذلك الوقت، والآن الوضع مختلف، ونسعى لمساعدة هذه الحكومة وجعلها ناجحة، والسؤال هو كيف يمكن تحقيق ذلك؟، وهو أمر يتوقف على خارطة برنامج الإصلاح الاقتصادي. وأول شيء يجب القيام به هو إزالة الولايات المتحدة لاسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، لأن هذه الوضعية تغلق أبواب مؤسسات التمويل الدولية أمام السودان وتمنعه من تلقي أي مساعدات لازمة. ونحن نثق أن أمريكا ستقوم بذلك وعلى السودان منذ الآن ترتيب أوضاعه في المستويات المختلفة للتعامل مع مؤسسات التمويل الدولية، وهذه العملية تستغرق نحو عامين لثلاثة أعوام في العادة، وإذا أظهرت الحكومة الجديدة قدراً من الجدية في تحقيق الإصلاحات اللازمة فستجد حتماً الدعم المناسب، وبطبيعة الحال هذا ليس قرارنا بل قرار صندوق النقد الدولي الذي يحدد مدى نجاحك في تحقيق الإصلاحات اللازمة.
أما فيما يتعلق بالاستثمارات الألمانية فمنذ قدومي للسودان قبل ثلاث سنوات أظهرت العديد من الشركات الألمانية رغبتها في الاستثمار في السودان.
ولكن هذا الاهتمام تلاشى تماماً منذ مطلع العام 2018 مع بدء الازمة الاقتصادية المريعة، ولكنهم عادوا الآن يتساءلون عن مآلات الأوضاع، وفي القريب العاجل سننظم مؤتمراً في ألمانيا عن الاستثمار في السودان في ظل الأوضاع الجديدة كوجهة محفزة للاستثمار، ولكن هذا يتطلب في المقابل تهيئة المناخ. وبالنظر للعقبات التي تمنع الاستثمارات الأجنبية من الدخول للسودان الأوضاع الاقتصادية السيئة، الآثار السالبة  للعقوبات الاقتصادية خاصة فيما يلي مسألة التحويلات المالية، ومؤشرات سهولة أداء الأعمال التي تضع السودان في أسفل اللائحة ضمن أسوأ 5 أو 10 دول، وسيكون من أولويات الحكومة الجديدة أن تحقق قفزة هائلة في هذا المؤشر لكي تغري المستثمرين بالقدوم للسودان.
• كيف يمكن تحقيق هذه الترتيبات في ظل وجود العقوبات الأمريكية؟
هناك الكثير من الترتيبات التي من الممكن إنجازها، هذه العقوبات تخلق ما يشبه السحابة السوداء فوق السودان مما يخيف المستثمرين بالرغم من الفرص الكبيرة المتوفرة، وعلى الحكومة السودانية ألا تربع يديها في انتظار زوال هذه السحابة عليها أن تعمل على تهيئة الأوضاع على الأرض لخلق واقع جاذب للاستثمار، وهذا أمر ليس بالسهل ويستغرق وقتاً.
• شهدت ملفات مكافحة الهجرة غير الشرعية والإرهاب تعاوناً بين النظام السابق والاتحاد الأوروبي، هل سيستمر هذا التعاون بذات الوتيرة التي شهدت انتقادات من ناشطين بالنظر لسجل نظام البشير في حقوق الإنسان؟
نريد أن يتواصل تعاون السودان في مجال مكافحة الإرهاب في الإقليم، وقد قامت السلطات الأمنية بعمل جيد خلال الفترة الماضية نريد له أن يتواصل، فيما يلي مسألة الهجرة هناك سوء فهم أدى للعديد من الاتهامات التي أشرت إليها وعلى رأسها دفع أموال طائلة لقائد قوات الدعم السريع حميدتي.. وهذا ليس صحيحاً، وقد قامت السلطات الألمانية المعنية بمسألة الهجرة بمراجعة مشاريع تعاونها مع السلطات الأمنية السودانية إبان قمع المظاهرات لإيقافها، ولكنها وجدت أن هذه البرامج تتعلق بتدريب الشرطة السودانية في كيفية التعامل مع المهاجرين القصر (الأطفال)، ودار تساؤل حول إيقاف التعاون في هذه البرامج للتأكد من إيقاف كافة أشكال التعاون مع الشرطة السودانية، فكان الجواب لا لا يمكن إيقاف مثل هذه البرامج.
• ألم يتضمن التعاون مع قوات الدعم السريع منح آليات ووسائل اتصال؟
لا أبداً لم يتم منح أموال أو أي معدات أو أجهزة اتصال أو أي شيء آخر.
• إذاً ما مصير (عملية الخرطوم) لمكافحة أسباب وتبعات الهجرة غير الشرعية؟
هناك تعاون بين السودان والاتحاد الأوروبي في بعض الملفات، على سبيل المثال هناك سودانيون في ألمانيا مدانون بارتكاب جرائم ويمكن إعادتهم إلى السودان، وهناك العديد من المجالات القابلة للتطوير إلا أن الاتهامات بأن العملية تمثل دعماً للنظام السابق في الاستمرار في السلطة، جعل التعاون وثيقاً خاصة في ظل السمعة السيئة للقوات النظامية وهي تقمع المحتجين في الشوارع مما جعلنا لا نرغب في التورط في أي شكل من العلاقة، ولكن مع تغيير الأوضاع يمكن حدوث الكثير من التغيير وتعزيز التعاون بشكل مختلف.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.