أسعد المبارك علي ود بازل

المراجعة الداخلية - الهموم والمطلوبات (1)

ما أغنى ديوان المراجعة الداخلية لأجهزة الدولة القومية
وما أفقر المراجعين بالديوان!
تلك لعمري مُفارقة يندي لها جبين الوطن والتاريخ حياءً وأسفاً
كيف ﻻ وقد أوشكت سفينة الوطن على الإبحار والانطلاق بعد أن كادت تغرق في بحرٍ مُتلاطم الأمواج، قُصُور في التخطيط وتَقصيرٌ في الأداء وتَخَبُّطٌ وتوهانٌ وإخفاقٌ في المعالجات، أو فشل حتى إن شئت القول طيلة الأعوام الماضية .
غنى الديوان وثراؤه يكمن في ثروة بشرية مُتوثِّبة قوامها المُراجعون بما يمتلكون من علمٍ ومعرفةٍ وتجربةٍ ومُؤهِّلات تتزيّن وتفخر وتباهي بها ملفات الكثيرين من منسوبيه.. وقبل الملفات، العقول والوجدان وميادين العَمل المُختلفة والمُلتقيات ومَنَصّات التّواصُل المُتعدِّدة .
وأبعد من هذا كله وذاك، المُؤتمرات والمُلتقيات الإقليميّة والدوليّة التي شارك فيها بعض المُراجعين ورفدوا سُوحها بنظريات وتجارب تنتظر البيئة المُواتية للانطلاق وجني الثمار.
ولعُمري تلك الفضاءات لا ترتاد إلا بكسب أكاديمي ومهني مزيجٍ من قطيفة التّحصيل والمَعرفة والإلمام ورخام المُمارسة والتّطبيق.
هنيئاً لنا في الديوان بهؤلاء النجوم الذين يُنيرون ساحات الحياة بخير العلم والعمل فيستنير الديوان بمُشاركاتهم.
ومن بعد غنى الديوان المنظور في ثياب كسب الدرجات والمُؤهّلات والمُشاركة في سُوح التعليم وسوق العمل – هناك مَلمحٌ آخر من ملامح الغنى والثراء لا يَقل عن هذا. وإنّما يَزيد، كونه يمضي بذات النهج ويسير في نفس الطريق ميمِّماً ذات الاتّجاه .
إنّه التّطوير المُستمر الذي أصبح سِمَةً مُميّزةً وعلامةً مُشرقةً بارزةً، تبدو واضحةً جليةً أينما جاءت سيرة المُراجعين ومتى ما رنا إليهم الآخرون. فهم مِمّن ينتظمون في دُور العلم والمَعرفة بشقّيها الأكاديمي والمهني. ينهلون مِن مَعينها الصافي الرقراق ما يرتقون به في مدارج التأهيل والمعرفة، فيزيدون به صورة الديوان مزيداً من الهيبة والتقدير والاحترام.
يتعهّدون أنفسهم بمزيدٍ من التأهيل والكسب والتدريب، ليعودوا أكثر ثراءً وفائدةً وإثراءً ونفعاً. يقومون بدورهم في مُراجعة الوحدات ويُؤدُّون الواجب على بيِّنةٍ وبصيرةٍ، ويُساعدون على تحقيق الأهداف المَرسومة؛ بِمَا يُقدِّمُون مِن عَطاءٍ يَتّكئ عَلى رَصيدٍ كَبيرٍ من الوعي والثقة والمعرفة.
هكذا هم المُراجعون بديوان المراجعة الداخلية، علم على رأسه نار، بمُؤهِّلاتهم المُتعدِّدة، وخبراتهم المُقدّرة، واستمرارهم في التطوير، وحماسهم وتفانيهم في العمل والكسب والتأهيل .
مِن هُنَا كَانَ ثراء الديوان وغِناؤه بهذا المَورد البشري من المُراجعين الذين يتسلّحون بهذه الصِّفَات والمِيزات – التأهيل والحماس والحِكمة والجرأة.
أمّا فَقر المراجعين، فتلك قصةٌ أخرى.. قِصّة تَسِيرُ بتفاصيلها وحِكاياتها ركبان المُراجعين صَباح مَساء في مَجموعاتهم المُختلفة وحِساباتهم الخَاصّة على مَنَصّات التّواصُل الاجتماعي المُختلفة.
وآهـ لها من قصص وحكايات وأحاسيس عديدة من أسف وألم وأشجان وأحزان .
فَقر المُراجعين الداخليين لا تخطئه عينٌ ولا ينكره إلا محدود نظر، وهم بحاجة ماسّة ومُلحّة إلى مُعينات العمل فيما يلي المُتحرِّكات في كَثيرٍ من الوحدات، في وقتٍ يتمتّع فيه بذلك مَن هُم أقل منهم في الأهمية النسبية والقيمة المُضافة، من أصحاب الوظائف الأخرى على درجاتهم الأقل ومهامهم المحدودة .
فما السبب في غنانا وفقرنا على حدٍّ سواء في آنٍ واحدٍ..؟
وفي (نا) غنانا مجاز مرسل علاقته الحالية، كوننا أطلقنا ضمير جماعة المُراجعين وأردنا الديوان. وأما في (نا) فقرنا فإنّما أردنا المُراجعين حقيقةً لا مَجَازاً، تأكيداً على فقرنا وغنى الديوان في وقتٍ لا يستقيم فيه المعنى إن تمّت التّفرقة بين الاثنين.. ورغم ذلك لا أحدٌ يستطيع أن ينفي غنى الديوان وفقر المُراجعين.. وهنا تتبدّى المُفارقة وتتجلى في أبهى صورها ومعانيها.
نَحن يا سادتي، يَغرقنا منسوبو الوحدات المُختلفة في مُحيطات الاحترام والتقدير من ساعة دخولنا للوحدة لأوّل مرة وحتى ساعة خُرُوجنا.. ولهذا الاحترام والتقدير مَظاهر مُتَعَدِّدة ومُتنوِّعة لا تُخفى عَلَى أَحَدٍ مِنّا. مِمّا يَجعلنا نحس بالراحة حَدّ التعجب والدّهشة، لأنّه ليس بيننا وبين هؤلاء الأفاضل الأخيار ثمة ما يبعث على شئٍ من ذلك سوى أنّنا من قبيلة المُراجعين .
إلا أنّ هذا الإحساس الغَامِر بالفَرحة يَبقَى مَنقُوصَاً ويظل في دَواخلنا مَحَلاً للأسـف والأسـى وربما الأحزان. لأنّه لَم يَأتِ مِمّن يتسنّمون مقاليد الحكم والإدارة في الوحدات. الذين ربّما أحَاطُـونَا بذلك بلسان المقال، وجفونا بلسان الحال والأفعال، تنكُّراً لمطالبنا الأساسية وحُقُوقنا في مُعينات العمل الأُخرى المُختلفة.
في العام الماضي قَطف الإخوة المُراجعون بديوان المراجعة القومي ثمار الهيكل الوظيفي وشُروط الخدمة.. فازداوا بريقاً وهيبةً على ما عندهم من بريقٍ وهيبةٍ ومكانةٍ في نفوس الآخرين.. وتعزّزت عندهم الثقة بهذا الكسب الجديد الذي يُصب في بحر استقلاليتهم الزاخر.. وأحسب أن بلاءهم سيزداد، وأن عطاءهم سيتضاعف، وأنّ شوكتهم ستقوى، وأن ما يحقق لهم الرضاء الوظيفي سيتحقّق، وأنّ مُبتغاهم أصبح محض رهان على الوقت والزمن ليس إلا .
ومن بعد هؤلاء كان حَظ المُستشارين من ذات الشروط والمكاسب.. وقد مضى هؤلاء إلى ما هو أبعد من ذلك حينما جاء قرار رئيس الجمهورية رقم (675) لهذا العام.. هذا القرار الذي قضى بمنحهم (20%) من الأموال العَامّة المُستردّة في مرحلتي التّحرِّي والمُحاكمة.. وذلك بناءً على توصية السيد النائب العام، كما ورد في نص القرار.
وبإذن الله تعالى – قريباً – سيأتي دور أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد العُليا، وهم الآن في الطريق.. بعد أن أُجيز قانون التعليم العالي الخاص بشروط خدمتهم وتحسين أوضاعهم.
وهم الآن يعدون العدة لتقديم تَصوُّرهم في هذا الإطار، لتمضي رحلتهم القاصدة إلى شروط الخدمة المرضية .
القاسم المُشترك بين هؤلاء جميعاً يتمثل في وعيهم بأهميتهم.. ومثابرتهم على إشاعة ذلك بين الناس في هذا الوطن حُكّاماً ومحكومين على حدٍّ سواء بمُختلف مقاماتهم.. حتى أصبحت لهم في نفوس الناس هيبة ومكانة، وفي وجدانهم تقدير صادق واحترام.
المُراجع العام!
المُستشار القانوني!
الأستاذ الجامعي!
بهذه الفخامة ينظر الآخرون إليهم…
وهم جميعاً ومثلهم معهم مِمّن نُدين لهم بالاحترام والتقدير.. لا لشيء إلا لأنهم استطاعوا أن يصنعوا مَكانةً لأنفسهم في نفوس الناس.. ويخلقوا انطباعاً في المجُتمع ملؤه قيمتهم الكبيرة ومكانتهم العالية وأهميتهم البالغة.
فما بالنا نحن المراجعون الداخليون بديوان المراجعة الداخلية، نعجز أن نفعل ذلك، وقد نجح هؤلاء الذين عايشناهم وخبرناهم في ساحات العمل بالوحدات الحكومية المختلفة، وقد تفوّقنا عليهم في مرات عديدة في ساحات المُوازنة؛ وإن شئت القول فقد بزيناهم وخلفناهم في كثيرٍ من الأحيان بميزة وجودنا الدائم.. سواء أكان ذلك في مرحلة الإعداد أو التنفيذ أو التقييم .
ما بالنا نعجز ونتسكّع ونرضي بما دون الطموح في سُفُوح الجبال.. وفي الحقيقة والأكيد أنّنا من النسور في الوحدات الحكومية والوطن!
المُراجعون بديوان المراجعة الداخلية لأجهزة الدولة القومية، ليسوا بحاجةٍ إلى فروقات ثلاثة أشهر أو زيادة مُكافأة الأداء لتصل إلى شهر ونصف أو شهرين أو زيادة المُكافأة السنوية لتصل إلى أربعة.
لسنا بحاجة إلى شيءٍ من ذلك في ظل فَسَادٍ يقضي على الأخضر واليابس في الوطن.. ويجهز على الدخل المحدود مهما كان فيصرعه في أسبوعٍ أو أسبوعين على الأكثر في ظل التّضخُّم والغلاء الذي يضرب البلاد ويصيبها في مقتلٍ.
يجب ألا ترضينا مثل هذه التّحسينات وتقعدنا عن النُّهوض بدورنا الكبير في هذه المرحلة بالغة الخُطورة والحَساسية من عُمر الوطن المُنهك المَحزون.
يجب أن نتطلع إلى استشراف دَورنا الكبير ومسؤولياتنا الجِسَام في إحكام الرقابة على المال العام، من خلال صلاحياتنا في المُراجعة الإدارية. وفي بحثنا وسعينا إلى مَزيدٍ من الصلاحيات والسلطات، التي تُعيننا وتكفل لنا التعريف الوافي بالديوان ومنسوبيه.. وتخلق لنا الانطباع المتبوع بالأفعال عند رؤساء الوحدات الحكومية جميعاً تجاه ما ينبغي أن يكون عليه قَدرنا ووضعنا.. ومن قبل ومن بعد عند صُنّاع القرار.
المُراجعون بديوان المُراجعة القومي والمُستشارون يا سادتي مِمّن تهفوا لهم النفوس وتشرئب إليهم الأعناق حينما يتقدّمون بخطاباتهم التي تحمل المُلاحظات والتّوصيات إلى رؤساء الوحدات. يُستجاب إليها مهما كانت وتُنفّذ على وجه الفور والسرعة دُون تَردُّدٍ أو تسويفٍ أو مُماطلةٍ أو تأخيرٍ؛ فهيبتهم كبيرة ومَكانتهم مُقَدّرة؛ ذلك بسبب الاستقلالية التي نالوا وحرمنا.
أما الحال في ذات الوحدات في كثير من الأحيان مع المراجعين بديوان المراجعة الداخلية – فمختلف جداً!
يتعلّلون إليهم مع كل طلبٍ لاستكمال المعينات اللازمة للعمل بشُح الإمكانَات وضيق ذات اليد.. مُتناسين أو مُتجاهلين أو غير مُبالين بدراية المُراجعين بموقف الوحدة وما في الحسابات من أرصدةٍ.. فكيف تسنى لأولئك أن يُحقِّقوا ذلك ويجدوا لهم مَكانةً وتقديراً عند رؤساء الوحدات؟!
وما عسانا أن نفعل حتى نُحَقِّق ذلك؟!
أظن أنّ الهيكل الراتبي وشروط الخدمة المُرضية هي البوابة المفضية إلى ذلك.. وهي السبيل الوحيد الذي لا سبيل سواه.. ففي ذلك قدرٌ كبيرٌ إن لم يكن كاملاً من الاستقلالية والتّحرُّر من التبعية الذهنية.. خَاصّةً أنّ الوطن قد شَبّ عن الطوق بعد الثورة، بعد أن تشابه عليه البقر وتفرّقت به السُّبل وتشتّت أيدي سبأ وأخفق في وقف نزيف التّخطيط والإدارة والإقتصاد.
وإزاء ما يعيشه الوطن اليوم من توثُّبٍ وتفاؤلٍ وانطلاقٍ بعد مَأساةٍ.. وما تُراهن عليه حكومة الدكتور حمدوك – ينبغي علينا أن نستشعر المسؤولية كاملةً ونجابه التحديات كافّة.. سعياً إلى بلوغ المكان الذي نَستحق للقيام بالواجب الوطني المُلح.. لننطلق منه إلى مُشاركة موضوعية ومُراجعة ذات جودة، تكبح جماح المُفسدين وتردع من تَسَوّلَ له نفسه العبث بمقدرات الوطن الغني بموارده التي لا تُعد ولا تُحصى.. الغني بإدارته وكفاءاته العائدة في مُوسم الشوق الحلو، وطُموحاته المُتعدِّدة المُتمثلة في وقف نزيف الجنيه وتثبيت أسعار السلع المُرتبطة بمعاش الناس وغيرها.
المُراجعون بديوان المُراجعة القومي والمُستشارون وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات والمعاهد العليا؛ إنّما تَحَقّقَ لهم ما أرادوا عندما وفقوا إلى إسماع صوتهم لصناع القرار وتقديم حجتهم التي تدعم مطالبهم.
نحن المُراجعون بديوان المراجعة الداخلية لأجهزة الدولة القومية – لنا بدل الحجة الواحدة ألف حجّة، وبدل الصوت الواحد ألف صوتٍ وبدل القيمة المُضافة ألف قيمة ويزيد.
تشهد على ذلك تقاريرنا ومكاتباتنا ومُلاحظاتنا وتوصياتنا ومُتابعاتنا وجُهدنا وبلاؤنا ووعينا وإدراكنا.. فكم أعدنا المليارات إلى خزائن الوحدات.. وكم رشدنا صرف المليارات ولا نزال.. وسنبقى بإذن الله تعالى على ذلك ما حيينا.
ولنا في سبيل نهضة الوطن والارتقاء بمَوارده البشرية ألف شأن وشأن.. فقط ننتظر أن نبوأ المكان الذي نستحق لننهض بالمسؤولية كاملةً ونُعلنها حرباً على الفساد شاملة.. لا تراعي إلا الله ولا تنظر إلا لما يعلي شأن البلاد والعباد.
اسأل الله تعالى أن يهيئ لنا ويُوفِّقنا إلى تحقيق ذلك قبل نهاية العام.. وأن نستهل العام المُقبل وقد تَحَقّقَت لنا الاستقلالية التّامّة وتَحَرّرنا من التبعية الذهنية لرؤساء الوحدات.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل،،،
اللجنة التسييرية لنقابة المُراجعين الداخليين بديوان المُراجعة الداخلية لأجهزة الدولة القومية

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.