حاطب ليل ….عبداللطيف البوني

إثيوبيا تنتصر

(1)
انتهت يوم السبت الماضي مُباحثات سد النهضة التي عَقَدَها وزراء الموارد المائية في البلدان الثلاثة بالخرطوم إلى طريٍق مسدودٍ على حسب الوزير المصري، بينما الوزير الإثيوبي يرى غير ذلك.. أما الوزير السوداني فقد (مَسَكَ العصاية من النُّص) حيث أقرّ بعدم الاِتّفاق، ولكنه قال بمواصلة الحوار!!
أمّا مَوضوع التّفاوُض كان حول ملء السد وتشغيله.. فمصر رأت أن يملأ السد في سبع سنوات، وإثيوبيا ترى أن يملأ في ثلاث سنوات فقط, مصر ترى أن تشغيل السد يجب أن يُخضع للدول الثلاث، بينما ترى إثيوبيا أن التشغيل أمرٌ يخصها وحدها، لا بل هو مسألة سيادية من الآخر كدا!! إثيوبيا قالت: (السد سدِّي بنيته وحدي، وسوف أملأه وحدي، وأشغِّله وحدي)!! وبهذا يكون موضوع السد قد انتهى.. إنما الخلاف ففي التفاصيل فقط، أما اِتّفاق المبادئ الذي وقّعه الرؤساء في 2015 قد راح في حق الله!!
(2)
إثيوبيا ترى في السد مشروعاً تنموياً نهضوياً وطنياً دُونه خرط القتاد، فإذا كانت مصر هبة النيل والسودان يعيش على النيل في أضخم مشاريعه الزراعية، فلماذا لا تستفيد إثيوبيا كما تريد من النهر الذي ينبع منها؟ أما مصر فترى في السد ليس مُهدِّداً لأمنها القومي، بل مُهدِّداً لوجودها، ولدى مصر شكٌ قويٌّ في نوايا إثيوبيا، فالكهرباء المُراد توليدها من السد يُمكن الحصول عليها بسعة 14 مليار متر مكعب، فلماذا جعلت سعة السد 74 مليار متر مكعب؟ وللعلم فإنّ مجمل حصة السودان ومصر على حسب اتفاقية 1959 هو 74 مليار (يا ربي الحكاية دي جات صدفة؟!).
أمّا السودان، فيرى في سد النهضة فوائد جَمّة بالنسبة له، وفي نفس الوقت يُشارك مصر مخاوفها، فأصبحت حاله مثل (دوار جمل نسيبته أكان لقاه يدوبي وكان ما لقاه يدوبي)، كما يقول المثل السوداني الدارجي (لا تُوجد ترجمة على الشريط)، أي الأمر سيان عنده!!
(3)
في ظل النظام السابق، كان موقف السودان من السد موقفاً سياسياً، فالتّباعُد السِّياسي بين النظاميْن في مصر والسودان واحتلال حلايب، جعل السودان يقف مع السد بدون مُواربة، ولكن الموقف الفني في السودان كان مُنقسماً، فهناك مُهندسون وقانونيون يرون أنّ السد نعمة من نعم الله على السودان، وهناك مهندسون وقانونيون سُودانيون يرون أنّ في السد شراً مُستطيراً ومُهدِّداً كبيراً للسودان.
بصراحة ربنا كدا الخلاف الفني في السودان أمرٌ لا يُمكن قُبُوله، لأنّ الرأي الفني يجب أن يبنى على أُسسٍ علمية بحتة، ولكن للأسف يبدو أنه على الأقل في بعضه تلوّن باللون السياسي، فعندما تتغطّى بالسياسة بالعلم تصبح قدرتها على التدليس كبيرة.. الآن قد تغيّر النظام، فهل سوف يتغيّر موقف السودان الداعم للسد؟ أم سيركز السودان على دور الوسيط الذي كان يدعيه من قبل؟ قبل الإجابة على السودان، دعونا نُقرِّر حقيقة وهي أن إثيوبيا انتصرت في معركة السد، لأن النظام السياسي فيها راكز وديمقراطي وذو فاعلية عالية ولا يبحث عن شرعية.. وأنا ما بفسِّر وإنت مَا تَقصِّر..!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.