العين الثالثة….ضياء الدين بلال

(حمدوك) والنيران الصديقة!

-1-
من الأمثال الشعبية ذات القيمة الإرشادية العالية: (أمشي عدل يحتار عدوك فيك).
الفكرة البسيطة للمثل: أن تُغلق على خصومك المنافذ التي تُمكِّنهم من النَّيْل منك، وتُسهِّل عليهم انتياشك.
في بعض فرق كرة القدم المُتواضعة فنيَّاً، تُصبح أخطاء المُدافعين أخطر على مرمى فريقهم من مهارات هجوم الخصم!
تكثر في عناوين الصحف اتهامات منسوبي الحكومة وتحالفها المُساند لمنسوبي النظام السابق، بالعمل العدائي ضدها.
مثل هذه الاتهامات، قد تجد رواجاً في الأوساط المُتعاطفة، وقد تُوفِّر مُبرِّرات مؤقتة لبعض أوجه القصور، ولكنها لا تصلح للاستخدام الدائم حتى نهاية الفترة الانتقالية.
بكُلِّ تأكيد ستأتي لحظة فارقة لفحص هذه الحجة، لمعرفة إن كان القصور لمؤمرات ومكائد، أم لضعف أداء وعوز كفاءة وعجز عن القيام بمطلوبات المرحلة؟!!

-2-
ليس من المُستبعد أن تكون هناك دوائر تنتمي للنظام السابق، أو لأجندتها المصلحية المُباشِرة؛ تسعى لإعاقة مشروع التغيير، من منصات متعددة، وبطرائق قدد.
هذا يقتضي أن تكون للجهات الحاكمة خططٌ وبرامجُ مضادَّة لذلك النوع من النوازع التخريبية، فإنْ فشلت في ذلك فهذا دليلُ عجزٍ لا مُبرَّر خلوِّ مسؤولية.
مُهمَّة الحكومة الانتقالية مُزدوجة: حماية شباكها من الهجمات المُرتدَّة والمُبتدَرة؛ وإحراز أهداف في مجالات التنمية والاستقرار تُسعد جمهورها العريض.
من خلال المتابعة والمراقبة لأداء الحكومة الانتقالية خلال الشهر المُنصرم، يبدو ملحوظاً كثرة الأخطاء الدفاعية، وسهولة إهدار الفرص، والاحتفاظ بالكرة لأطول وقت (استحواذ دون فاعلية)!
المُدهش والمُثير للتعجُّب رغم قصر الفترة، وهي ثلاثون يوماً مقابل ثلاثين عاماً، أن غالب الأخطاء المُرتكبة يجد لها المراقبون مقابلاً مُشابهاً في سجلات أرشيف النظام السابق!!

-3-
ما يجب أن يُقلق الحكومة الانتقالية ومن ورائها تحالف قوى الحرية والتغيير، لا مكائد الإنقاذيين الحقيقية والمُتوهَّمة، ولكن أرشيف الإنقاذ القريب الحاضر في ذهنية الشعب السوداني، للمُقايسة والمُعايرة.
يجب ألا يغيب عن الحاكمين الجدد أن الرغبة الثورية في التغيير ليس الهدف منها تغيير الوجوه والواجهات الحزبية، ولكن تغيير السلوك والمنهج وطريقة التفكير.

-4-
من الأخطاء والهفوات التي وجدت استياءً عريضاً، ركونُ القيادة الجديدة للمحاصصات المناطقية وتوزيع الوزارات على الجهات الجغرافية، وذلك ما ظلت تفعله الإنقاذ من بواكيرها إلى مُنتهاها.
أكبر دليلٍ على ذلك، أن تأخير تعيين وزيري الثروة الحيوانية والبنى التحتية، جاء بسبب حجز المقعدين للنيل الأزرق والشرق، مع استمرار البحث عن من يُمثِّلهما!

-5-
قبل أيَّام فوجئ كثيرون بتصريحٍ ساذج، يفتقد الحصافة السياسية والوعي القانوني والإدراك الاقتصادي؛ حينما أعلن وزير المالية دكتور إبراهيم البدوي، عن نية الحكومة الانتقالية بيع دور حزب المؤتمر الوطني في مزاد عالمي للمُساهمة في سداد الديون الخارجية!
رعاة الضان والماعز يدركون، لا المزاد ممكن ولا المبلغ مجزٍ ولا القانون يسمح!

-6-
المستشارة الإعلامية لرئيس الوزراء السيدة داليا الروبي، أهدرت القيمة الإعلامية لجولة دكتور عبد الله حمدوك الخارجية الناجحة، بتوجيهات خرقاء لأفراد الحراسة لمنع الصحافيين من تغطية المؤتمر الصحفي.
فبدلاً عن أن يستعرض رئيس الوزراء مكاسب الزيارة، وجد نفسه أمام موقف مُحرج، يفرض عليه الاعتذار عن أخطاء آخرين!

-7-
لم ينجح أيُّ طرف حكومي في تقديم تفسير سياسي أو بروتوكولي، لسفر القيادة العليا للدولة، رئيسَي المجلس السيادي والوزراء، إلى السعودية والإمارات!
التقاط صورتين في الزيارة عند الجلوس الثلاثي الأطراف، وعلى مدخل الباب في الخروج الحرج، كشف شذوذ الفكرة!
كما أن ما ترتب على زيارة ذات الرأسين، أو ما أعلن عنه للإعلام، لم يفك شفرة الخطوة الملتبسة: ما الجدوى؟ وما المُراد؟!

-8-
في الوقت الذي كان ينتظر فيه دعاة التغيير ترسيخ حكم القانون في فترة الانتقال، فإذا بقوى الحرية تحرص أكثر من العسكريين على تمديد حالة الطوارئ التي تمنح تصريحاً مفتوحاً، لتجاوز القانون وإهدار قيم العدالة!

-9-
آخر (الجلطات) القانونية والسياسية والإعلامية، ما أُعلن أمس من قبل وزير الإعلام الأستاذ المحترم فيصل محمد صالح، عن تبنِّي مجلس الوزراء لقضية الوزيرة ولاء البوشي ضد الشيخ عبد الحي يوسف، وتحويلها من قضية خاصة لعامة!
بمنطق القانون فإن حيثيات ما أدلى به عبد الحي، قد يمسُّ ولاء البوشي في شخصها ومُعتقدها، لا في شخصيتها الاعتبارية كوزيرة، حتى يترافع عنها وزير العدل!
وبحساب السياسة في الوقت الذي كان فيه الشعب ينتظر حسم مجلس الوزارء للمعارك الكبيرة مثل تفاصيل خطة المائتَي يوم، فإذا به يختار خوض معارك فقاعية صغيرة، لا تتجاوز مجهود واجتهادات ناشئة المحامين!
أما الخسارة الإعلامية فمردُّها ترفيع وتضخيم عبد الحي يوسف الفرد، في مواجهة مجلس الوزراء، ومنح الشيخ فرصة لاستقطاب المُتعاطفين!

-أخيراً-
حدوث هذه الأخطاء والهفوات في المدَّة القصيرة من مباراة الفترة الانتقالية، يستدعي الانتباه والمراجعة، لإغلاق الثغرات والترتيب لتعويض الخسائر، حتى لا يمضي الزمن إلى نهايته، وشباك حكومة حمدوك مثقلة بأهداف النيران الصديقة!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.