العدالة والشريعة الإسلامية

محمود حسن سوار الدهب

العدل هُو من أسماء الله الحسنى قال تعالى “وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ”، وقال تعالى “اعدلوا هو أقرب للتقوى”، ويجب الانتباه لأنّ هذه قواعد كلية ثابتة وهذه المُخاطبة ليست للكافة، بل مُوجّهة بالتحديد لأهل الحل والعقل علماء الدين وأُصُوله وفقهائه عندما يُقام الدين للتنفيذ والعمل بهُداه ونوره، للعدالة مَناظير كثيرة وأيديولوجيات مُتعدِّدة تختلف فيها النظم والقيم في كل مُجتمعٍ وبيئته عن بعضها، ومُعظم طلب العدالة يدور حول الحقوق وتوزيع المنافع والحاجات المُلحة التي يجب تلبيتها، والعدالة كنظرية تم صبها في قوالب معدة في شكل دساتير وقوانين ولوائح يُمكن الاِطّلاع عليها وقد يصل الأمر لحفظ مَوادها، ولكن المَسافة بعيدة عن التطبيق العملي، والأسباب كثيرةٌ لا تَسع مقالٌ من جمعها، لذا نأخذ بعض هذه الأسباب ونكتب هنا بتجرُّدٍ تامٍ، والواجب على العاملين في الحقل العدلي ألا يعيشون في حالات التِّيه الوظيفي الذي يقع ما بين المُفترض والواقع، إنّه خيط رفيع لا يُرى إلا بالتعمُّق في فكرة العدالة، فنجد في مُجتمعات الوفرة ذات الخيرات الكافية المُلبية للحاجات الأساسية للحياة تستطيع العدالة أن تبسط وتعم بين الناس وبهدوءٍ، أمّا في المُجتمعات الفقيرة العاجزة حيث لا تَجد النّاس تلبية للحَاجَات الإنسانية البسيطة، تجد العدالة صُعُوبة في إحقاق الحق بعد أن يتسبّب العَوز وضعف الوَازع الديني والأخلاقي، وقد نشر الفساد الذي لا يستثني جهة من شُمُوله، وعليه يلجأ العدل ليستند إلى الدولة التي تمنحه صلاحيات إضافية، منها الأدوات القهرية وضروب من التجاوُزات التي لا يقرّها العدل شكلاً ولا موضوعاً تستغل باسم العدل وحقيقتها الجبروت والظلم والطغيان.
والعُنف قد يقر شئ منه بعد الإدانة والتأكُّد والتثبت أي بعقيدة، ولكن لا يقر العُنف قبل الإدانة بأيّة صورة كانت، وصديق العدالة في كُلِّ مَراحلها العَاطفة والرّحمة والتي فَرضها ديننا الإسلامي الحَنيف، ولا نتعجّب حين نرى العُنف المُفرط قائماً في أكثر الدول تمدُّناً وتَحَضُّراً وتنظيماً ومُحافظة لفكرهم الديمقراطي وما ينقصهم هو الوَازع الديني الذي ما زالت بلداننا مُلتزمة به إلا من فلتات ضئيلةٍ يقوم بها بعض المُتفلتين المُقلّدين لقسوة الغرب المُتجرِّد اللعين بلاد الكَفَرَة المُلحدين، لقد اعترف أساطين القانون والفقه الموجودين حول العالم وتعجّبوا من الشريعة الإسلامية وشمولها ومبادئها القوية الحيّة، وكيفية استنباط الأحكام الدقيقة منها، وكمية ووفرة المبادئ التي تَحتويها، ووجود أصل الدين وأحكامه في القرآن الكريم، فقالوا عنه إنّه يَنبُوع صَافٍ لمَدَى الزمان وأمكنته، إّنه سرمدي، هذه أقوال بعض علماء الغرب، ونحن القرآن الكريم بين أيدينا لا نفعله ولا نُطبِّقه وحكمنا عليه أن يكون أمام القضاة للقَسَم، وأمام صدور السيارات للزينة، وفي المنازل ليكون تميمة تجلب الحظ، القرآن الكريم أيها الأحبّة نُور الهدي، إنّه دِينٌ ودولةٌ وعقيدةٌ سياسيةٌ تحتاج عملاً وجهاداً ودعوةً، إنه الدين الذي يحكم الدارين الحياة الدنيا والآخرة، نسأل الله العلي القدير أن لا نكون من الغافلين، وأن يشملنا جَميعاً برحمته لتحكيم شريعتنا المنزلة من العزيز المُقتدر.
ونختم بذكرى أستاذنا المرحوم دفع الله الرضي ما دام الموضوع عن العدالة وقد كان فقيهاً في القانون، قد مرّ على تاريخ العدالة ببلادنا بعد الفقيه الأول محمد أحمد أبو رنات، ونذكر أن حَدّثَنا في مُحاضرة عن أهمية محكمة الموضوع أي المحكمة الابتدائية وهي المكان الأول في نظر القضايا، وعبّر عن ذلك بقوله لولا التّدرُّج الوظيفي والعدلي ولو كان الأمر بيدي لوجهت بأن يبدأ العمال القضائيون أي القُضاة الجُدد بالعمل في المحكمة العليا أولاً، ثم بعد مدة ينزلون لمحكمة الاستئناف، ثم ينزلون لمحكمة الموضوع وينتهي الأمر بهم فيها، وضحكنا وفهمنا ما يعنيه أستاذنا الجليل لأهمية محكمة الموضوع، حيث يبدأ فيها بنيان القضية ووضع أسسها وتكييفها وخط سيرها التي تُعرض فيها المُستندات وكل ضروب الإثبات وشهادة الشهود والتّأكُّد والتثبُّت وعقيدة القاضي، أي المسرح كاملاً أمامهم بشخوصهم وتنتهي بالقرار أي الحكم ويتم الفصل مع حق الاستئناف المُقرّر قانوناً، أما محكمة الاِستئناف والمَحكمة العُليا فَقَد سَمّاهما أستاذنا “محاكم الأوراق” وقد يصدر عنها إعادة المحاكمة لمحكمة الموضوع، إضافة الى أنّ لهم صلاحيات عديدة وغالباً ما تتبع الإعادة أسئلة قانونية وتَوجيهات مُحدّدة لكشف أيِّ غُمُوضٍ إن وجد في أركان القضية شكلاً أو موضوعاً، وموضوع إجراءات المحاكم لا تسعه هذه المقالة التي نُركِّز فيها عن العدالة، ونختصر في هذا المنحى لنقول إنّ محكمة الاستئناف والعليا يتم فيهما الفحص والكشف النهائي من الناحية القانونية والفكرية لحالة القضية وإصدار القرار.
نسأل الله تعالى خوفاً وطمعاً في رحمته وألا نكون من الغافلين وألا يكون ردنا يوم السؤال “وكنا نخوض مع الخائضين” ونسأله تعالى جميعاً أن يصفي فطرتنا لتستجيب لشرعه للوصول الى حقيقة الإيمان ونقر بوحدانيته المُتفرِّدة وقُدرته التي لا تحد المُطلقة، حفظ الله أمة الإسلام وبلادنا من كل مَكروهٍ.
والحمد لله رب العالمين

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.