محمد رشوان

"دولار الكرامة" دعاني موطنيّ أن أفتدى (1 - 2)

هذا العنوان ُمقتبسٌ من رائعة شاعر النيل “غادة اليابان” التي صور لنا فيها ببراعته المعهودة أنموذجاً في الفداء والذود عن حياض الوطن، والحديث هنا عن حرب دارت رحاها بين اليابان التي كان قائدُها يُعرفُ بـ”الميكاد” وروسيا, وجاء فيها: (كنتُ أهوى في زماني غادةً/ وهب اللهُ لها ما وهبا/ ذات وجه مزج الحسنُ به/ صفرةً تُنسى اليهود الذهبا/ ثم قالت لي بثغرٍ باسم/ نظم الدر به والحببا/ نبؤني برحيل عاجل/ لا أرى لي بعده منقلبا/ ودعاني مَوطني أن أفتدى/ علّني أقضي له ما وجبا/ نذبحُ “الدبّ” ونفري جلده/ أيظنُ “الدبُ” ألا يغلبا؟/ هكذا “الميكادُ” قد علّمنا أن نرى الأوطان أماً وأباً/ ملكٌ يكفيك منه أنه/ أنهض الشرق فهزّ المغربا …إلخ). وإذا كان هذا أنموذجاً يابانياً للفداء، فإنّ لأهل السودان أمجاداً تليدةً في صفحات تاريخ الإباء والشمم وفي بذل المُهج والأرواح في سبيل الوطن, وقد ورثوا مكارم الأخلاق كابراً عن كابرٍ “جدودنا زمان وَصُونا على الوطن” وتشهدُ لهم بذلك ربوع المتمة وشندي في “غضبة المك النمر” في 1871 وكرري التي “تُحدث عن رجال كالأسود الضارية” في 1899 والملاحم التي لا يكادُ يأخذها حصرٌ وكما يقولُ الشاعرُ “الجودُ بالنفس/ أقصى غاية الجود”.
دولار الكرامة
ما أن تولى د. حمدوك مَهَام مَنصبه رئيساُ للحكومة الانتقالية وفور إعلانه حاجة الدولة إلى ثمانية بلايين من الدولارات لتعافي اقتصادهاً, حتى ضَجّت الأسافيرُ بتلبية السُّودانيين العاملين في فجاج الأرض للنداء وكأنّي بهم – وهم في مهاجرهم – قاصيها ودانيها يهبون واقفين يلبُّون النداء ولسان حَالهم “القومة ليك يا وطني” و”الفيهم مشهودة.. فهم أصحاب شهامة والكرم جندو”. وأعربوا عن استعدادهم للمُساهمة في “دولار الكرامة” الذي سَيُعلنُ عنه وزير المالية د. إبراهيم البدوي. ولأهل السودان تجربةٌ عندما انقلبت العلاقات الودية بين نميري والقذافي إلى قطيعة، بل وعداءٍ سافر، فقلب القذافي ظهر المجن لحليف الأمس وطالبه بردّ مبلغ سبعة ملايين دولار كان منحها للسودان. وكان مزاجُ القذافي مُتقلِّباً تقلب المناخ في صحراء ليبيا Extreme climate كما يقولُ علماء الجغرافيا الطبيعية “مناخٌ شديدُ الحرارة نهاراً, شديدُ البرودة ليلاُ”. وتحرّكت روحُ الإباء والشمم في نفوس المُواطنين ولبُّوا نداء “قرش الكرامة” لسد الدَّين المُهين. ومِمّا يجدرُ ذكره أنّ “معهد القرش الصناعي” بأم درمان أنشأه أهلُ السُّودان حِين تَبَرّع كلُ مُواطن بقرشٍ واحدٍ. والمَثلُ السُّوداني يَقُول “إيد على إيد تجدع بعيد” ولا يُخالجنا أدنى شَكٌّ في أنّ أهل السودان سَيُسَجِّلون مَجداً جَديداً حين يُوفِّرون المَبلغ الذي تَطلبه حُكومتُهم في مَسعاها لإقالة عَثرة اقتصاد بلادهم بالمُشاركة في وديعة المائة دولار المُستردة بعد ثلاث سنوات. ولا يفوتنا في هذا المقام أن نُشيد بمُبادرة أهل النهود حين تنادوا خلال الشهر الماضي إلى تبرُّع اسمي بـ”خمسين الكرامة” والمُبادرة تدعو إلى أنّ يُقدِّم كلُ مواطن مبلغ خمسين جنيهاً كحد أدنى مُساهمة رمزية في دعم اقتصاد البلاد، آملين أن يحذو سائر أهل السودان حذوهم.
وفي تقرير للإذاعة القومية من النهود، قال المراسل إنّ إقبال المُواطنين كان رائعاً حين تدافعوا زرافات ووحداناً للتبرع في الحساب المُخَصّص لهذا الغرض ببنك النيل وكانت الحصيلة ُمقدّرةً.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.