الجديد شنو  عبد القادر باكاش

السودان بين الاندماج والتفكك 

شارك الخبر

 
إنه لمن المؤسف  بعد (63) عاماً من الحكم الوطني وفي الألفية الثالثة، وفي ظل عالم يتجدد ويتطور على مدار اللحظة من حولنا نتقهقر ونتخلف  ونضطر للتخاطب بلغة الإنسان الأول، لا أتصور أن فترة ما قبل الحكم الوطني أي الاستعمار (الإنجليزي المصري يونيو 1899 ـ ديسمبر 1955)، أسوأ حالاً مما عانيناه ونعانيه في ظل الاستقلال المزعوم منذ 19 ديسمبر 1955 لا نزال نتعالي على بعضنا البعض ونترنح ونتظالم ونتشاكس دون كلل أو ملل.  من يصدق أن السودان الذي كان مارد إفريقيا  ومهوى أفئدة أهلها وعنوان ورمز شموخ القارة السمراء يوم استقلاله يقف اليوم مكسوراً مهيض الجناح في ذيلية الدول الإفريقية لا لشيء سوى أنه يفتقد ويفتقر للقيادة الراشدة الحكيمة. 
  رغم تقلب الأنظمة ومضي العمر التقويمي  لحكامنا ما تزال عقولهم متحجرة ومتصلبة ولا يتعدى تفكيرهم أرنبة أنوفهم قل لي بربك من يخطط ومن يفكر لبناء سودان المستقبل وكيف ينبني المستقبل ونحن نفكر بعقلية الماضي الأدهى، والأمر أن  كل الدلائل والمؤشرات وقرائن الأحوال تؤكد وتبرهن وتجسد أن لا جديد بعد الثورة ولا قبلها وليس في الأفق بارقة أمل في المستقبل المنظور لجديد مشرق، فقد صدق السكرتير الإداري لحكومة السودان خلال الفترة من1939-1945 السير نيو بولد دوغلاس وهو يتنبأ قبل (74) عاماً بما نعانيه الآن لقد قرأت جزءاً  من  مقالة مترجمة  للرجل  نُشرت بالإنجليزية في صحيفة “سودان استار”، قال فيها إن هدف حكومة السودان المعلن والصادق هو تدريب السودانيين على الحكم الذاتي، وتحدث عن معدل التطور اللازم لتحقيق ذلك. ثم قال: “إنني لن أدخل في تكهنات حول مستقبل السودان عدا القول بأن التاريخ لا يقف ساكناً. إن أي امرئ يزعم أن بمقدوره التكهن بمستقبل السودان لا بد أن يكون نبياً أو غبياً. إنني أدرك أنني لست نبياً وآمل ألا أكون غبياً. إن قصارى ما تستطيع أي حكومة أن تفعله حيال المستقبل الذي هو بيد الله، هو أن تهيئ نفسها ذهنياً ومادياً ومعنوياً لأي شيء يمكن أن يحدث. وكالسفينة المبحرة في رحلة طويلة، فإن عليها أن تعد نفسها لمواجهة أي رياح قد تهب عليها”.
ها قد هبت علي السودان رياح لم يعد نفسه عليها  هزت كيانه وقطعت أوصاله وبترت عنه عضوا غالياً وعزيزاً (جنوب السودان)، لكن بعض قصارى النظر لم يتعظوا من أسباب الرياح ولم يسدوا منافذ الفرقة والشتات ليتنامى الشعور الجمعي بالاضطهاد والظلم وتتولد نزعات انفصالية أخرى على غرار ما سلكه الجنوب من طريق وعر بغير زاد في سبيل الانعتاق من الأقلية التسلطية القابضة للسودان، لا أحد يستطيع التنبؤ بما ستسوقنا إليه سياسة التجاهل  والتعالي،  اسبشر السودانيون خيراً بعد ثورة  ديسمبر بوصفها ثورة وعي جاءت لهدم  الأفكار البالية وتعزيز شعارات الحرية والسلام والعدالة ولكن وبكل أسف تمخض الجبل فولد فأراً فلم تعد الثورة سوى أحزان بلا جدوى. 
 جاء تكوين أول حكومة مخيباً للآمال ثم تواصل الضلال في ممارسة الوصاية وتصفية الحسابات والتهافت على المقاعد الوثيرة ووصف كل من يحاول أن ينبه أو ينتقد أو يشير إلى مواضع  خلل بأنه (كوز) ومن (الدولة العميقة)، لا أدري عن أي عمق يتحدثون؟ ولا أدري من أي كيزان يشكون؟ أنا لا أرى كيزان ولا جكوك ولا براميل ولا أسمع صوتاً لأحد سوى قلة منهمكون في تقاسم الغنائم، صدقوني بلادنا تمضي بسرعة الصاروخ نحو المجهول وما نراه اليوم من تململ هي مناظر ومشاهد لفلم لم يبدأ بعد. أدعو الله أن يهدي القادة أصحاب المعالي لجادة الطريق في رفع الظلم عن المظلومين وفي العمل على تحقيق اندماج اجتماعي يؤلف بين قلوب السودانيين ويجنب البلاد من مطامع الطامعين ومن خطر الانهيار والتفكك .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.