حاطب ليل…عبداللطيف البوني

(أكتوبر 21)

(1)
تمر علينا اليوم الذكرى الخامسة والخمسين لثورة أكتوبر الشعبية وهي إنجاز سياسي مفصلي أثّر كثيراً على مجريات الأحوال السياسية في البلاد، ومازالت تفاعُلاتها مُستمرة إلى يوم الناس هذا، ويكفي أنّ ثورة ديسمبر المجيدة التي لم تكمل عامها الأول بعد هي وليدٌ شرعيٌّ لثورة أكتوبر يوصل بينهما جسر أبريل 1985، فإن كانت أكتوبر الأولى، فإنّنا نتمنّى أن تكون ديسمبر الأخيرة.
شاعرنا المجيد هاشم صديق قال في نهاية ملحمة أكتوبر التي غنّاها الفنان الكبير محمد الأمين (ولسه بنقسم يا أكتوبر – لمن يطل في فجرنا ظالم – نحمي شعار الثورة نقاوم – ما بنتراجع وما بنساوم)، فدعونا نتمنى ألا يطل في فجرنا ظالمٌ مَرّةً أخرى، وأن تعيش بلادنا في ديمقراطيةٍ مُستدامةٍ ونموٍ مُضطردٍ (لا جوع.. لا مرض.. لا كبت).. فكثرة الثورات تدل على كثرة الظلامات.. فلا أحد يتمنى حُدُوث المظالم.
(2)
المُفارقة تكمن في أننا نُمجِّد ثورة أكتوبر، ولكننا في نفس الوقت نذكر بخيرٍ عهد الفريق عبود الذي أطاحت به ثورة أكتوبر وهذا راجعٌ لأمر نسبي، إذ أنّ كل الحكومات التي أتت بعد عبود لم تنجز ما أنجزه في سنواته الست، ولكن مع ذلك لن نُقلِّل من شأن جيل أكتوبر، فقد ثار بمبرِّرٍ مشروع وهو البحث عن الديمقراطية التي حَرم منها عبود الشعب.. فالديمقراطية في أبسط صورها هي حُرية التعبير وحُرية التنظيم، أي المُشاركة السياسية فهي حَقٌ من حُقُوق الإنسان لا تقل أهميةً من الحُقُوق المادية المَحسوسة وإن شِئت قُل التنموية، فعبود كانت مُنجزاته تَنموية، والذين ثاروا عليه يُريدون استكمال الدائرة بالحُقُوق المعنوية وهي المُشاركة السياسية، ولكن الذي حدث أن الحكومات التي أعقبت أكتوبر لم تواصل إنجازات عبود التنموية واكتفت بالمعنوية فاختل التوازن وبعضها لم ينجز في المجالين، بمعنى لا تنمية ولا مُشاركة سياسية (مِيتة وخراب ديار)!!
(3)
القراءة الموضوعية تتطلّب منا الرجوع قليلاً للوراء، إذ لا ينكر أحدٌ مُنجزات الاستعمار التنموية مُقارنةً مع الحكومات الوطنية التي أعقبته، ولكن الاستعمار حرم الشعب حقّه في الحُرية والديمقراطية، فكان لا بُدّ من الثورة عليه، فرفعت الحركة الوطنية شعار التحرير قبل التعمير وقد كان, فأعقبت الاستعمار حكومة أنفقت الوقت دُون أيِّ إنجازٍ في حَقل التّعمير، فكان انقلاب عبود لإيقاف طق الحنك والعَمل في المَجَال التنموي ولكنه صادر الحرية السياسية، فكانت أكتوبر لاسترداد هذا الحق وقد كان، ولكن أعقب أكتوبر الجمود في المجال التنموي، ثم جاءت مايو فسعت نحو التنمية وصَادرت الحُرية السِّياسيَّة، فكانت أبريل، وكان طق الحنك، فكانت الإنقاذ، فكان الخسران في المجالين لا تنمية ولا حُرية سياسيّة، فكانت ديسمبر المجيدة.. فهل سنبقى مع الحُرية السياسيّة وبدون برنامج تنموي؟ هل سوف نواصل طق حنك أم سوف نصطحب البُعد التنموي فتتعادل الكفّة وتستقر البلاد؟!
إنّنا ندعو إلى إيقاظ الفكر التنموي الذي دَخَلَ في حالة سبات في بلادنا حتى تمشي الحركة السياسية على قدمين, تنمية وشراكة اقتصادية وحُرية ومُشاركة سياسية لتكون ديسمبر آخر الثورات الشعبية التي تصدّرت قائمتها (أكتوبر 21 – لهب الثورة العملاقة) كَمَا غَنّى أبو اللمين.


شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.