حاطب ليل || د.عبداللطيف البوني

سِهامٌ طَائشٌ!!

شارك الخبر

(1)
جدنا/ السيد ود إبراهيم ود مضوي رحمه الله رحمةً واسعةً، كان رئيساً للمجلس الشعبي في قريتنا على أيام مايو، جاءه بائعو الخُضار (الخُضرجية) من أبناء القرية وطلبوا منه أن يمنع الخُضرجية الذين يأتون من القُرى المُجاورة لبيع خضارهم في سُوق القرية كل صَباحٍ، فسألهم ليه أطردهم؟ ضَرُّونا بي شنو؟ ناس وفّروا لينا الخيرات دي كلها، ولا سرقوا ولا نهبوا.. ليه نطردهم؟ إنتو عاوزين تحتكروا السوق عشان تتعِّبُوا المَساكين؟ قالوا له ما عندهم رُخص.. فسألهم إنتو عندكم رُخص؟ أنا مالي ومال رخُصهم.. خُضارهم قدِّامي زي الورد عليّ الطلاق أحميهم بعكازي دا.. أمشوا شُوفُوا شَغلتكم!!
(2)
في مشروع الجزيرة حيث أصبح القطن محصولاً مُحَرّراً من حيث الإنتاج والبيع في السوق المحلي ولا تُقابله الدولة إلا في (اللفة) أي الصادر, تَصاعد سعر القنطار منذ بداية نوفمبر الجاري من ثلاثة آلاف ونصف للقنطار إلى أن تعدى الخمسة آلاف في مُنتصف الشهر، وكان من المُتوقّع أن يصل إلى الستة في ختام الشهر، إذ ظهر المُشترون الأجانب من سوريين وصينيين وأخذت دفّاراتهم التي يَعمل بها وكلاؤهم السودانيون تجُوب الجزيرة بالليل والنهار، ومع كل ذلك لم يصل سعر البيع السعر العالمي، ولكن بمُجرّد صدور قرار وزارة التجارة القاضي بمنع الأجانب من مُزاولة التجارة (تذكّروا أنّ القطن في أصله محصول صادر).
اجتمع أصحاب المَحالج والتجار والشركات التي تعمل في تجارة القطن في ود مدني وقرّروا أن يكون سعر البيع في المحلج أربعة آلاف ومائة فقط.. فاشتعلت في الجزيرة الأسافير التي تطلب من المُزارعين عدم البيع، وبالفعل قلّ المعروض، ولكن قَد لا يَتمكّن كُل المُزارعين من الصمود وتنكسر إرادتهم، فهُم (الضلعة الهشّة) وينقصهم التنظيم.
(3)
قصدنا من الذي تقدم، القول إن العلاقة بين العرض والطلب لا تحتاج إلى آدم سميث، فهي من بديهيات التجارة، ولا نود أن نسأل لمصلحة مَن أصدرت وزارة التجارة قرارها المُشار إليه؟ ولا نود هُنا أن نتعرّض لسياسة التحرير الاقتصادي ولا منظمة التجارة الدولية التي حُفيت أرجل السودان من أجل الانضمام إليها، ولا الكوميسا التي أصبح السودان طيشها، ولا الستة ملايين سوداني الذين يضربون في الأرض خارج حُدُود السودان!! ولكن الذي نود التوقُّف عنده، لا بل الذي نود معرفته هو كيفية صناعة القرار في هذه البلاد؟ وكيفية اتّخاذه؟ ومَا هِي حُدُود القرار الوزاري؟ ومتى يكون القرار تشريعاً أي قانوناً جديداً؟ أما مَن يقف خلف القرار فهذه لا تحتاج إلى درس عصر!!
(4)
ومع كل الذي تقدّم، لا بُدّ من الاعتراف بأنّ هناك مُشكلة في التجارة تضرّرت منها البلاد، وهي مُشكلة مُزدوجة، الشق الأول منها أنّ المُضاربة في الأسواق المحلية تخرج محاصيل الصادر من المُنافسة، أمّا المُشكلة الأكبر فهي في حصائل الصادر التي لا تعود للخزينة العامة وهذه أبطالها سودانيون مع قليلٍ من الأجانب.. فعلى الدولة مُمثلة في وزارة التجارة أن تحوكم شغلها وتفعِّل قوانينها وتَزيل التّشوُّهات في (الحتة دي) حتى ولو رجعت لأيّام مُؤسّسة الأقطان، وشركة الصمغ العربي، وشركة الحبوب الزيتية، ومُؤسّسة تسويق الماشية والذي منه.. فمُشكلة البلاد في هذا النهب المُصلّح، فسرقة الدولار لا تعرف الجنسية، إنّما تعرف الحرامي.. ياهو ياهو ياهو!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.