حُمى الضنك.. (خَلِّيت عشانِك كسـلا)!!

كسلا: ابتهاج متوكل

(سلامتكم يا أهل كسلا) بهذه العبارة تحرّكت قبل أيّامٍ، قافلة وزارة الثقافة والإعلام إلى مدينة كسلا. وصلت القافلة كسلا ولكن حال أهلها لا يُسر فيما يخص صحة مواطنيها، ومعاناة المرضى من “حمى الضنك”، ومستشفى كسلا التعليمي، يشكون من تردي البيئة وضعف الإمكانَات في مواجهة المرض، وذلك بحسب إفادات عددٍ من المسؤولين بالولاية، ولكن الشئ المُثير للاستغراب والاستهجان تصرُّف مدير عام زارة الصحة د. إيمان، التي تحاشت مقابلة الوفد الإعلامي رغم التنسيق المُسبق الذي تمّ عبر أمين أمانة الحكومة، والتوجيه المُباشر من قِبل والي الولاية، إلا أنها أغلقت هواتفها واستحال الوصول اليها.

إشارة خضراء
نُقطة الانطلاق جاءت من أمام مقر الوزارة، مخاطبة حماسية وثورية لوكيل أول الوزارة الرشيد سعيد، مشدداً على أن القافلة تستهدف التضامُن مع المُواطنين والوقوف على الأحداث التي شَهدتها الولاية مُؤخّراً من أوبئة وأمراض، داعياً القافلة بتكويناتها المُختلفة وتحديداً لجان المُقاومة للعب دورٍ قياسي في التقريب بين مُكوِّنات المجتمع المدني وتساهم في تخفيف التّوتُّر بالولايات، معلناً بأنّ الفترة المقبلة ستشهد تسيير قوافل للولايات خاصة التي تأثّرت بالحروب، وأعاب على الوزارات العمل داخل الخرطوم وإهمال الولايات، موجهاً الوزارة بضرورة الخروج من الإطار المكتبي للتّواصُل مع المُواطنين، لأنّ السودان ليس الخرطوم.
مناظر مُقززة
أمضت البعثة الإعلامية وبعض مُمثلي لجان المُقاومة من الخرطوم الجمعة الماضية، نحو ثلاث ساعات بداخل مستشفى كسلا التعليمي، كان التحدي في كسر حاجز الخوف من المرض والعدوى، واحتمالية الإصابة بحمى الضنك خاصة بأن نشاط البعوض الناقل الذي (يحوم) نهاراً وليس ليلاً.
تُصاب بالغثيان والدوخة والذهول عندما تطأ قدمك في مستشفى كسلا التعليمي، مشهد المُواطنين داخل المستشفى ما بين مريضٍ ومرافقٍ وزائرٍ، تجعلك في حيرةٍ من أمرك، العشرات من الرجال والنساء يفترشون الأرض، والبعض الآخر يتجوّل ما بين قسم الطوارئ والعنابر، العشرات من المرضى يَحملون (الفراشات) في أيديهم، وآخرون يأخذون المَحاليل الوريدية.. ومن المَشاهد المُؤسفة وُجُود المُواطنين في مجموعات وهم يأكلون ويشربون في وضع مُقزز دون مبالاة لخطورة ما يحدث، يتبعه بكل أسف التبرُّز داخل حوش المُستشفى من قِبل البعض، لأنّ دخول الحمّام بخمسة جنيهات!! وفي حالة عدم القدرة على الدفع والإصرار على دخول الحمام ربما يؤدي ذلك لتدخُّل الشرطة. شراب القهوة في مجموعات بساحة المُستشفى، مشهدٌ يُثير الدهشة والاستغراب، كيف يُسمح لإنسانٍ في وضعٍ بيئي مُتردٍ بالشرب والأكل؟ وكيف يكون مَكان العلاج وسيلةً لنشر المرض أيضاً؟ وصَادَفَ بعض الإعلاميين ولجان المُقاومة المُرافقة للقافلة، سيدة ثلاثينية في حِيرةٍ من أمرها عندها طُلب منها إجراء فحص لحُمى الضنك بالمُستشفى، فحمدت الله وشكرته لعدم إصابتها بهذا الداء المُنهك.
(الكدايس) في نعيم!!
أطرف ما رأيناه بعنبر العزل هو منظر القطط التي غطَّت في نوم عميق “دُون الانشغال” بما يحدث بالمُستشفى، وأخرى بصغارها تتّخذ من مرتبة إسنفج قديم بعنبر الباطنية للرجال مسكناً لها. هذا الواقع يُقابله جُهدٌ مبذول، ولولاه لكان الوضع أكثر سُوءاً، ولكن تظل مَحدوية الإمكانَات المادية والبرية تحدياً قائماً، أما المحك الرئيسي لتجاوُز عقبة الأمراض وانتشارها، هو تغيير سُلُوك المُواطنين لديهم لضمان بيئة صحية، يحتاج بجهد كبير لرفع الوعي بينهم فيما يختص بالنظافة وتحسين البيئة العامة، والتخلُّص من الأوساخ والنفايات، وترك بعض العادات، ولا بُدّ من تغيير جذري للمُواطنين للقيام بواجبهم في نظافة الأحياء ومناطقهم والمُحافظة على المَرافق العامّة حتى تكتمل حلقة المُعالجة بين الجهدين الشعبي والحكومي.
مُواطنون يُحاصرهم العَوز!!
المواطنة أمونة محمد جعفر، شكت من عجزها لتوفير مبلغ ٨٠٠ جنيه لإجراء فحوصات لأختها المريضة منذ شهر.. وأعاب المواطن ياسر شرف الدين، مسألة تردي الأوضاع البيئي وضعف عمليات النظافة بالمستشفى وانتشار الأمراض ومُعاناة المواطنين داخل المستشفى، وقال إنّ الصرف والاهتمام بأمر الوقاية عَبر النظافة وتَحسين البيئة ومُكافحة البعوض ورفع وعي المُواطن، يُعَادِل رُبع ما يُنفق في علاج الأمراض.. وانتقد مُواطن آخر مَسألة عدم توافر إجراء الفحص لحمى الضنك داخل المستشفى، ما جعل المواطنين يضطرون لإجرائه في المعامل الخارجية بقيمة تتراوح ما بين (١٥٠ – ٢٠٠) جنيه، مُتسائلاً: “يعني الما عندو يعمل شنو؟”، وتابع: هذا مستشفى حكومي يفترض توافر كل الخدمات العلاجية بداخله والأجهزة والمُعينات لتشخيص كل الأمراض، مُطالباً بمجّانية علاج مثل هذه الأمراض.
ويحكي المُواطن عثمان آدم، عن مرض أحد أقربائه بالحمى منذ أربعة أيام وإجراء عمليات نقل دم له.
ويواصل المواطنون انتقادهم لأوضاع مرفق العلاج الرئيسي، وانتقد المواطن محمد الحسن، وهو مُرافق لمريض داخل مستشفى كسلا أمر وجود إصابات كثيرة من سكان المنطقة “بحمى الضنك”، وأنّ الوضع الصحي بالولاية مُتردٍ جداً، وأضاف: ليست المرة الأولى التي يتكرّر فيها المرض، وظلت السنوات الأخيرة تشهد ذلك خلال فصل الخريف، مُتسائلاً: “لماذا يكون هناك تكتُّمٌ شديد على الأمراض التي تُصيب المُواطن بالولاية”؟ وقال إنّ المواطن يجب أن يتلقّى العلاج الكامل دُون تكاليف بالمستشفي التعليمي، ولكن الواقع مُختلفٌ، وشكا من افتقار المستشفى لأبسط المقومات الصحية التي يحتاج اليها المريض، بجانب انعدام أغلب الفحوصات داخل المستشفى مما يضطر المُرافق للبحث عن معامل خارجية وبتكلفةٍ عاليةٍ لا يستطيع دفعها المُواطن البسيط.
وفيما يختص بمُستوى الخدمات، قال إنّ “الوضع حدِّث ولا حرج”، منذ بداية الدخول من الاستقبال إلى قسم الطوارئ، حيث تراكُم النفايات والأوساخ في كل مكان، وبالنسبة لمتابعة الأطباء للمرضى، نوه الحسن إلى أنّ هنالك عدداً بسيطاً جداً، وأحياناً الدوام فيه طبيبان فقط، وزاد: هذا العدد لا يغطي حجم الإصابات التي تحتاج إلى عددٍ كبيرٍ من الأطباء، لأنه في أحيان كثيرة تتكدس أعداد كبيرة من المرضى، وأشار إلى أن المستشفى غير مُهيأ طبيباً وتنقصها الرعاية الصحية، كما أنّ المُرافق أيضاً يُصاب بالمرض لقلة الوعي والمعرفة بالرعاية الصحية السليمة، داعياً الحكومة بضرورة توفير العلاج والاهتمام بالجانب الصحي والتوعوي، وأن تكون الدولة حريصةً على توفير الأساسيات من العلاجات، خَاصّةً وأنّ هناك أطفالاً يموتون بسبب حمى الضنك، وحمّل المسؤولة لإدارة المُستشفى لعدم الرقابة. وعلى الوالي المُكلف أن يهتم بالمرافق الصحية، وأن لا ينحصر دوره داخل المكاتب، وشدد على الثورة لتصحيح كل الأخطاء والاهتمام بالمواطن، وكال انتقادات لكل الإدارات بالولاية خاصة وزارة الصحة التي ينقصها وزير، وأردف: تم تعيين مدير عام للصحة، ويجب عليه الاهتمام ورفع تقارير حقيقية للمركز للاهتمام بالوضع الصحي والإنساني!
سيناريو المرض
ومن داخل قسم الطوارئ يحكي د. أمين محمد جبريل طبيب عمومي بمُستشفى التعليمي كسلا عن أغرب الحالات المرضية، بحُضور شخصٍ مصاب بالحمى وكان عدد البلازما في دمه “واحداً” مُقارنةً بالوضع الطبيعي، رغم ذلك تم إسعافه واستقرار حالته، وقال في حديثه إنّه جاء من الخرطوم وهو يتبع لمُنظمة الصحة العالمية برفقة ٣٠ طبيباً وذلك بعد تفشي وباء “حمى الضنك” ولسد العجز، وأشار إلى أنّ العام السابق كان التركيز على المراكز الصحية خاصة “حمى الكنكشة”، والآن تم توزيع الكادر الطبي على المُستشفيات، مُوضِّحاً أسباب انتشار الوباء قائلاً إنه ينتقل عبر نوع معين من البعوض وهو “أيدس انجكشن” الناقل للمرض، وأكد أن السبب الآخر عبر الأمطار والمياه الراكدة، داعياً الوزارة بضرورة الاهتمام لتدارُك الأمر، وجزم بالقول: لو تمت المُعالجات منذ بداية كل خريف ورش الأحياء وردم المياه الراكدة ستقل نسبة الأمراض إلى 80%، وأعاب على الجهات المُختصة القُصُور وعدم الاهتمام بسبب تكرار هذا السيناريو سنوياً.
لسان الحال غلب!
وقدم أمين عام حكومة ولاية كسلا أرباب محمد الفضل، تنويراً إعلامياً للوفد الإعلامي حول موقف المرض بالولاية، وشدد على ضرورة تدخل المركزة بقوة وسُرعة عاجلة، للسيطرة على الوبائيات خاصّة حمى الضنك، مُحذِّراً من خُطورة عدم القضاء عليها أو تحجيم المرض لأدنى مُستويات، وطالب بتوفير كوادر صحية مُدرّبة، ومُعينات عمل من مُعدّات طبية ومعامل والدعم اللوجستي والمادي، لمُكافحة النواقل لتحجيم المرض لأدنى مُستوىً، وقال إنّ هناك إمكانية بأنّ يصبح مرضاً مُستوطناً، لأنّ المسبب له البعوض المنزلي، وفي حالة عَدم السّيطرة سَتنتشر، مُبيِّناً بأنّ المرض ظهر في مَحليتين وحالياً انتقل لثلاث، واعتبر هذا مُؤشِّراً غير جيدٍ، وتابع: البعوض العادي مَقدورٌ عليه، أما البعوض المنزلي الناقل لحمى الضنك تصعب مُكافحته، لأنّه يتوالد في المنزل في أيِّ مصدر مياه شرب حتى في حالة كان بسيطاً، وأضاف: الولاية “لم تُقصِّر” في المُكافحة، ولكن تحتاج لجهدٍ وإمكانَات وتكاليف أكثر من قِبل المركز، خَاصّةً أنّ الزمن ليس في الصالح، ويجب مُكافحته في أسرع وقتٍ، مُؤكِّداً أنّ هناك تراجُعاً في حالات الإصابة بالمرض بنسبة أقل من 8%، ولكن أيِّ (تراخٍ) سيزيد المرض لأنّ الناقل موجودٌ، وفي حالة عدم مُحاصرته بسرعة سينتشر، منوهاً الى أن فصل الشتاء يُساعد على في انتشار المرض، مُعلناً عن وضع خطة المكافحة بتكلفة ٢٤ ملياراً لشهرين مقبلين قبل دخول فصل الشتاء، ولا بُدّ من عمل استباقي قبل دخول الشتاء بإزالة آثار الخريف، داعياً لتقديم العون عاجلاً خَاصّةً في الجانب المعملي.
الموقف الآن
وقال مدير إدارة الطب العلاجي بولاية كسلا د. هشام أحمد الفكي، إن الوضع الراهن في الولاية عقب توليه الإدارة منذ ثلاثة أسابيع، كان هناك انتشار لحمى الضنك بحسب المعلومات الموجودة في الإدارة، وأوضح أنّ أول حالة سجّلت كانت في أغسطس الماضي، ولا يُمكن التحدث عن المرض بأنّه مُستوطنٌ ولكنه تكرّر على ثلاث مرات متتالية، وكانت هناك جهود مبذولة من قبل إدارة الوبائيات والطب العلاجي والوقائي.. وفيما يتعلق بموقف المرض قال إنه انتشر بصورة كبيرة لأسباب أهمها أن البعوض الناقل استوطن في الولاية، ورهن التحكم في المرض وعدم تكراره، لدور المواطن الكبير في مُحاربة البعوض الناقل (إيدس)، لأنّه موجود في أماكن المياه على مُستوى المُكيِّفات والخزّانات والبراميل والأزيار، ولا بُدّ من مُشاركة الجميع في المركز والولائية والمُواطن في المُكافحة، مُشدِّداً على أنّ المَسألة مُحاربة المرض “فوق الطاقة”، وأرهقت المُواطن وحكومة الولاية، وأضاف: استنجدنا بنحو (28) طبيباً من وزارة الصحة الاتّحادية، مَا سهل في السيطرة والتحكم على المرض، مُنوِّهاً إلى أنّ مكافحة المرض تتطلب رفع الوعي للمواطن، لأنه يستطيع التحكم في التخلص من هذا المرض، وضرورة الدعم المادي لإنفاذ خطط المكافحة.
صمت وهروب!!
إلى ذلك، حدث شئٌ مُحيِّر وأثار استغراب واستهجان الوفد الإعلامي، وهو عدم مقابلة مدير عام وزارة الصحة بحسب الأمر المرتّب له لمُقابلة الوفد، ولكن تعذّر الاجتماع في المرة الأولى، وتمّ التّنسيق للقاء ثانٍ ولكنه أيضاً فشل بحجّة أنّ هناك اجتماعاً مع مسؤول أممي، رغم صُدُور توجيه مباشر من والي والولاية بمقابلة الوفد.
وقال مدير الإدارة العامة لشؤون مكتب الناطق الرسمي بوزارة الثقافة والإعلام جلال الشفيع لـ(السوداني)، إنّ الترتيب لمقابلة مدير عام وزارة الصحة بكسلا د. اإيمان محمود العوض، تم مُسبقاً عبر أمين أمانة الحكومة أولاً، ثم جاء التنسيق الثاني بتوجيهٍ من الوالي ولكن لم يحدث ذلك، بحجة أن المديرة لديه اجتماع مع مسؤول أممي، وأضاف: ظلت إدارة القافلة تجري اتصالات لترتيب موعدٍ آخر، ولكن هواتف المديرة أُغلقت وتعثر الوصول إليها!!
في الأثناء، اعتبر رئيس تجمع الثورة الشبابية وليد محمد عبده المُرافق للوفد، أمر عدم مقابلة المديرة للإعلام بسبب “حال المستشفي بياناً واضحاً للوضع الصحي”، وقال إنّ إخطارها مسبقاً ليس بالأمر الضروري لدخول الولاية، واعتبر عدم حضورها “لخجلها” من الوضع الصحي، وبرّر تصرُّفها بأنها عملت بمسألة زيارة الوفد الإعلامي للمستشفى، واصفاً وضعها بـ(الخرابة) خاصةً عنابر الأطفال، مُشيراً إلى أنها ربما أرادت عدم مُناقشة الوفد في المُشكلات التي وقف عليها ميدانياً.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.