الانفجار الكبير.. روايات شهود العيان

تصوير وتقرير: سعيد عباس

العاشرة من صباح أمس (الثلاثاء) فزع سكان الخرطوم بحري وما جاورها بسبب دوي انفجارٍ ضخم بمصنع سالومي للسيراميك وقد تصاعدت ألسنة اللهب عالية تتسيد الأرجاء والأفق لتتحول سماء الخرطوم بحري إلى سحب دخان اسود تربع على افق تلك المدينة زهاء الاربع ساعات او يزيد لتسفر عن سقوط اكثر من 23 قتيلا و130 جريحاً فضلا عن خسائر مادية فادحة.
(سيرون راجيف) هندي الجنسية 28 عاما ظهر بالقرب من موقع الانفجار منكوش الشعر محمر العينين يلتقط انفاسه مرعوبا مشدوها وهو يتصبب عرقا وعلى جسده آثار حروق ودماء وكدمات بائنة وكان يبكي ويتأوه من فرط الالم ويردد كلمات بلغته الخاصة لم يفهمها أحد فينا إلا أن احد الحاضرين لم يسمح لخيالاتنا واستنتاجاتنا أن تذهب بعيدا فتفضل بفك الطلاسم وقال انه ناجٍ من تلك النيران الملتهبة .

شاهد عيان
يقول الحاج علي أحمد التوم 60 عاما يعمل سائق عربة نقل كبيرة (كنت حوالى العاشرة صباحا ذاهبا لتناول وجبة افطاري بمنطقة الصناعات ريثما يأتي دوري لأقوم بتفريغ سيارتي (الجامبو) في احدى مخازن تلك المنطقة ولحظتها سمعت دوي انفجار شديد اهتزت له الارض تحت اقدامي حتى لاحت على الافق ألسنة اللهب والدخان بعدها علمت أن تانكرا للغاز انفجر في تلك المنطقة فهرعت لمكان الحادث بكل سرعة ووجدت النيران قد غطت اجزاء واسعة من المصنع ودخلت مباشرة لمكان الحادث ووجدت الناس يهرولون يمينا ويسارا محاولين انقاذ ما يمكن انقاذه من الارواح فحملت معهم عددا من المصابين الا اننا فزعنا اشد الفزع لشدة انفجار آخر من التناكر المجاورة حتى طار صهريج المقطورة من شدة الانفجار عاليا ليقع ويحطم ويحرق عددا من السيارات الصغيرة التي كانت هناك.
زيارة لأحد الهنود
يقول الشاب محمد دوكة 35 عاماً فني كهرباء إنني جئت لمقابلة احد اصدقائي الهنود بالمصنع وهو ايضا فني كهرباء مثلي وتزامن مجيئي مع حدوث الحريق، وقتها لم افكر إلا في صديقي فجريت تجاه ورشتهم ورأيت النار تشتعل فيها بضراوة وعدد من الناس يقومون بإخلاء المصابين وقد تعاونت معهم في ذلك كثيرا ونقلنا عددا من الجثث المتفحمة والمتسلخة وعدد من المصابين بالجروح الخطيرة والكبيرة وبعض الحالات الطفيفة وقال “لكن للأسف فقد استشهد صديقي حرقاً”.
أصحاب المصنع
قال هلال صبحي 65 عاماً وهو ابن عم صاحب المصنع إنه رأى ألسنة اللهب تتصاعد إلى عنان السماء بعد أن غطى الدخان مساحات كبيرة من الارجاء في تلك المنطقة فسأل نفسه ماذا حدث يا ترى؟ فذهب تجاه النيران ولم يعلم أن الحريق في مصنع ابن عمه إلا بعد أن وصلته مكالمة وهو على سيارته تقول بأن النيران الآن تلتهم المصنع فسارع إلى المجيء للمصنع وقال ” إنها ارادة الله وحتى الآن لم نوجه اتهاما معينا لأحد او جهة حتى تكتمل التحريات فبعد ذلك لكل حادث حديث”. واضاف أن ابن عمه وصاحب المصنع موجود الآن بلندن منذ فترة ليراجع طبيبه الخاص.
أحد الناجين
التقت (السوداني) بأحد الناجين من تلك المحرقة وهو هندي الجنسية يدعى سرون راجيف 28 عاماً ، وبدأ الحديث من بين دموعه وقال”كنت داخل المصنع ساعة الانفجار وهرعت ومعي عدد من زملائي متوجهين بكل سرعة تجاه منطقة سكن العمال لننقذ اخواننا الذين كانوا يعملون في وردية الليل وبدلوا في الصباح ليذهبوا لـ(الميس) ليغطوا في نوم عميق بعد ليل مضنٍ من العمل المتواصل وذلك بعد أن رأينا لهيب احد (تناكر) الغاز تلتهم عنابر السكن بسرعة هائلة وعندما صعدنا لننقذ اخواننا حاصرتنا النيران من كل جانب واصبت اصابة بليغة في يدي اليمنى واجزاء متفرقة من جسمي ولكن للأسف احترق معظم اخواني واصدقائي داخل السكن رغم اننا حاولنا انقاذ ما يمكن انقاذه.
مدير الطب العدلي
افاد مدير الطب العدلي بوزارة الصحة د.هشام زين العابدين أن الجثامين التي وصلت حتى الآن بمشرحة مستشفى ام درمان حوالى 18 جثة منها تسعة جثث لسودانيين وتسع لهنود ، كما افادت بعض المستشفيات بوفاة خمسة آخرين ليصبح عدد الضحايا 25 حتى الآن مع وجود عدد من الحالات الحرجة.
بيان من مجلس الوزراء الانتقالي
قال مجلس الوزراء فى بيان “شهدت المنطقة الصناعية بالخرطوم بحري اندلاع حريق هائل بمصنع سالومي للسيراميك بضاحية كوبر”.
وبحسب البيان “تسبب الحريق في سقوط ٢٣ قتيلاً وأكثر من ١٣٠ جريحاً حتى الان، تُقدم لهم العناية الطبية حالياً بمستشفيات بحري والمستشفى الدولي ومستشفى الأمل، كما نقلت عدد من الحالات إلى مستشفيات أم درمان والشرطة وألبان جديد، وقد استنفرت وزارة الصحة الاتحادية كافة قدراتها لمواجهة الموقف وأطلقت نداءً للمواطنين للتبرع بالدم لمواجهة الاحتياجات المتزايدة”.
وتوجه عدد من المسؤولين إلى موقع الحادثة في مقدمتهم وزير الصناعة والتجارة ووالي ولاية الخرطوم للوقوف على إجراءات مكافحة الحريق وتعبئة كل القدرات المتاحة لمواجهة هذه الكارثة.
وتقدم مجلس الوزراء بأحر التعازي لعائلات وزملاء وأصدقاء الضحايا ودعا لهم بالرحمة والمغفرة، وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين.
الحريق حدث نتيجة لانفجار تانكر للغاز كان يقوم بتفريغ حمولته في صهاريج أرضية، مما ساهم في استمرار وتمدد الحريق وتدمير المصنع بشكل كامل، وقرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة تحقيق لتحديد المسؤوليات وتفادي تكرار مثل هذه الحوادث المؤسفة مستقبلاً.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.