د. عبداللطيف البوني – حاطب ليل

حمدوك في واشنطون
(1)
رغم أن العناصر اليسارية من شيوعيين وقوميين عرب، من أبرز مكونات الحرية والتغيير (ق ح ت) إلا أن الحكومة التي كونتها تلك الحاضنة يغلب عليها التوجه الغربي، فمعظم وزراء الحكومة يغلب عليهم التخرج في جامعة الخرطوم رائدة الحداثة في السودان، ومعظمهم تلقوا تعليمهم العالي في الجامعات الأوروبية والأمريكية، ولكن الأهم أن معظمهم عمل في المؤسسات الدولية من أمم متحدة وبنك دولي والذي منه. فالسؤال هل يمكن أن نقول إن العين كانت على أمريكا في هذا التشكيل؟
ماعلينا المهم في الأمر أن حكومة الثورة هذه قد جعلت مهمتها الأولى والرئيسة هي تطبيع العلاقات مع أمريكا وهذا بهدف إزالة اسم السودان من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب لأن وضع اسم السودان في هذه اللائحة كانت نتائجه كارثية على السودان . إذ عزلته دوليا وأرهقته اقتصاديا بل طلعت روحه عديل كدا.
(2 )
تولى رئيس الوزراء الدكتور حمدوك كبر هذه المهمة بحكم أنه رئيس الحكومة، ثم لأنه كان مؤهلاً لهذا الدور لما يملك من مؤهلات ذاتية وتجربة شخصية فشال حيله وختاه في هذه المهمة واعتبرها مهمة مقدسة ولسان حاله (يا غرق يا جيت حازما). فبدأها بالقول إن البلاد لن تخرج من أزماتها إلا بالخروج من هذه اللائحة.
ووصل به القول بأن السودان سوف يصبح دولة فاشلة إذا لم يخرج من هذه القائمة اللعينة ومن ثم بدأ حمدوك الدوران حول أمريكا فكان ذهابه الى نيويورك ومخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم ذهابه الى باريس ومقابلة ماكرون ثم ذهابه الى بروكسل ومخاطبة الاتحاد الأوروبي وقد كسب حمدوك دعم كل هذة الجهات التي خاطبها، وبهذا يكون حمدوك قد سلك طريقا مغايرا لطريق الإنقاذ إذ تولى الأمر بنفسه واعتمد على حلفاء أمريكا الغربيين الذين يعرفون رطانتها.
(3)
الشاهد أعلاه أن حمدوك قد استطاع محاصرة أمريكا وربما ضاقت أمريكا ذرعاً بهذا الحصار لا سيما وأنه جاء عن طريق شركائها الدوليين، فرغم ترحيبها بالتغيير الذي حدث في السودان وترحيبها الخاص بحمدوك، إلا أنها تذرعت بالنواحي الإجرائية، وقالت إن الأمر يحتاج الى تفاهم والى وقت، وبعثت مندوبيها للسودان, دونالد بوث وتبيور ناجي وغيرهما، ولكن شدة الحصار جعلتها تدعو حمدوك شخصياً للتفاوض المباشر معه، فما كان من حمدوك إلا طار إليهم مستصحباً وفداً وزارياً خلا من وزير الخارجية ووزير المالية ليكون هو نفسه محور الزيارة، وقد يكون هذا ترتيباً متفقاً عليه مع الأمريكان، المهم في الأمر أن حمدوك دخل واشنطون وأمضى بها ستة أيام و(اليوم سنة) وهو يتأبط قضية واحدة وليس لديه أي استعداد لمناقشة أي أمر آخر. وفي تقديري أن هذا تكتيك ناجح لأن التشتيت يضر بالقضية. الآن وقد انتهت الزيارة وعاد حمدوك الى خرطومه، فهل يتمثل قول المتنبئ (إني وإن كنت الأخير زمانه* لآتٍ بما لم يأت به الأوائل)، أم قول محمد المكي إبراهيم (عدت لا إبل وثقت وليس بكفي القصيد روائعا ). وهذا هو السؤال، خليكم معنا إن شاء الله.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.