دعاش الخير محمد حسن كبوشية

اليوم أبكي على أمي إحسان ؟؟

شارك الخبر

12/12، عام يمر على رحيل ست الكل وشجرة الضل، عام يمر على الرحيل المر..في هذا اليوم الأسود والمشؤوم..انطفأت شمعة الأمل وانهد جبل الأمنيات.. صبرت أمي على المرض وتحاملت على وجع الليالي الطوال وعلى سهر الأنين القاتل.. ولعل صبرها هذا لم يكن من أجل حياتها، بل كان من أجلنا أنا وأختي لأنها تخاف علينا من نسمة الهواء الباردة لتكون هي ذات النسمة الغادرة في شتاء بارد وتنهار العزيمة ويدنو الأجل المحتوم.. ما كنت أظن أن أمي ستموت وهي بجواري وما كانت مخيلتي تستوعب مثل هذه اللحظة القاسية، فكم كانت سريعة مغادرة روحها الطاهرة لجسدها الطاهر دون أن تنطق كلمات الوداع الأخير إلا من دمعة طفرت من عينيها وهي تنظر لوجوه أنجبتها وربتها بصبر ومعاناة… أمي يا سادة لا مثيل لها في الوجود.. علمت وحملت الطباشير فكانت نعم المعلمة لمن فاتهم قطار التعليم.. أحبت مهنتها وأتقنت مهمتها.. كم كنا نسعد بفرحتها عند نجاحنا وكم كانت فخورة بنا ونحن نرتاد أسوار الجامعات، وبالأمس يا أمي أحرزت لجين الدرجة الكاملة في مادة الرياضيات.. حينها تذكرت تشجيعك لنا بتفوقك الدائم في الرياضيات وحكايات تكريم القائد العام للقوات المسلحة الفريق الراحل محمد أحمد الخواض لك وأنت الطالبة بالمدرسة الشرقية..
عام مشؤوم والقلم لا يطاوعني ويرفض الكتابة عن رحيل أمي القاسي، وهل يا ترى هنالك من يستطيع ان يبكي أماه بعبارات وكلمات فقط، أكتب اليوم حروفا من دموع الاشتياق واللوعة وحروفا من دماء الوجع الثخين على أمي فأنا لم أتذوق مرارة الحرمان ولا الفقد لوالدي وأنا بعد طفل صغير، فقد كانت حقا لي أبا وأما بل كانت هي الحياة وهي الأمل وهي المستقبل ورحلت دون سابق وعد بالرحيل، رحلت في زمن كنت احتاجها فيه لتغرس في (لجين ونسمة) و(علي ولجين) معدن التربية الأصيل ومعاني الصبر الجميل، رحلت أمي في ليل أسود وبسرعة لا يمكن تصورها وبينها بين كوب الحليب الأبيض الذي شربته مجرد دقائق لالتفت ناحيتها وأجدها رافعة لأصبعها وكنت أظنها تشير لي بفتح نافذة الغرفة ولكنها كانت تردد الشهادة في تلك اللحظات وما زالت بقايا الحليب في فمها، رحلت أمي بعد ان عادت العافية لرئتيها وانتزعت أنبوب الاكسجين وسعدنا وعادت الابتسامة بعد صراع طويل مع مرض السرطان الذي لا يرحم ويمارس في جسدها كل أصناف الألم، ولكنها كانت فرحة ساعات وهي (فجة الموت) التي لم ندرك كنهها في ذلك اليوم.. رحلت أمي ليغلق باب من أبواب الجنة ولنواجه مصاعب الحياة القاسية وبؤس الأيام دون دعوة صباحية تقينا من شر كل حاسد إذا حسد ومن كل دعاء برزق حلال وهي جالسة وبين يديها مصحفها الشريف ليحفظنا رب العباد من كل الشرور ويهبنا من خيره الوفير، رحلت أمي ومصحفها الشريف يشتاق اليها وهي التي ظلت تتلو سورة البقرة كل يوم من أجل هذا اليوم الكئيب في حياتنا لتغادر الفانية ويصلي عليها طلاب الخلاوي في صباح حزين وهي القائمة القارئة للقرآن ومسبحتها الألفية لا تفارق يدها.

لم أتذوق مرارة الألم في حياتي قط، فأمي كانت لي السند والعضد وأنا وحيدها وحلمها لغد تحفه السعادة والاستقرار، أعلم يقينا أن كل الأمهات قد قدمن التضحيات لأبنائهن ولكن أمي حالة خاصة في التضحية والفداء من أجل أبنائها، كانت كل شيء جميل.. كانت حياتي وكانت حلمي وكانت مستقبلي..لا أدري هل أبكيك يا أمي أم أبكي قساوة الأيام وحكم القدر.. هل أبكي الرحيل أم أبكي الحرمان.. الحرمان من كل شيء فهذه الدنيا لا تسوي جناح بعوضة من غير أمي ولكنها المشيئة وهو القدر والامتحان القاسي الصعب فلا خيار غير الدعاء والصدقة يا أماه…
اللهم ارحم أمي وأنت العالم بصدقها وحبها للناس… اللهم اجعلها في عليين وأسقها من الكوثر واجعل الجنة مسكنها يا أرحم الراحمين.. اللهم أظلها تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ولا باقي إلا وجهك اللهم بيض وجهها يوم تبيض الوجوه وتسود وجوه..اللهم يمن كتابها اللهم ثبت قدمها يوم تزل فيها الأقدام.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.