حاطب ليل …عبداللطيف البوني

وجدي ميرغني محجوب

عندما وصلنا الحقل وجدنا القطن (فاقع أبيااااض) على مدّ البصر، ثم تحركنا قليلاً ووجدنا الفول السوداني (ذي البذور الكردفانية القادمة من غبيش) على مدّ البصر والآلة الضخمة تحصده، ثم التفتنا يمنةً فرأينا السمسم على مدّ البصر، وتحركنا قليلاً وكانت زهرة الشمس على مدّ البصر، أما الذرة الرفيعة ما تديك الدرب والأغرب إن الحكاية فيها فول الصويا في مساحة آلاف الأفدنة، مش كدا وبس، في الميعات– الأرض المنخفضة- ينتشر محصول التسالي بكثافة، نعم، تسالي الله والرسول، بيد أنه هنا للصادر، و(الأخضر الإبراهيمي) والآليات الضخمة تهدر طاردة صوت رياح العدم.. يا ربي أنا في علم وللا حلم؟ يا ربي أنا في جنوب أفريقيا أم في كلفورنيا؟ معقولة بس أكون في ولاية القضارف تحديداً في محلية سمسم (بفتح السين)!. تذكرتُ حفيدي الصغير عندما كان معي وأنا استمع للإذاعة من راديو صغير، اذ أخذ يقلِّب الراديو ليرى مصدر الصوت فهو مبرمج على ارتباط الصوت بالصورة، فيومها وبدون ما أشعر، عندما أبصرت الزراعة على مدّ البصر أخذتُ أجول بصري بحثاً عن الترعة وأبوعشرين وأبوستة والجدول والتقنت، رغم علمي المسبق أنني في منطقة زراعة مطرية. كنتُ وإلى يوم الثلاثاء الماضي (يوم الزيارة لسمسم) أعتقد أن كل جهود السودان الزراعية ينبغي أن تُبذل في الخمسة ملايين بتاعت الزراعة المروية، وأنه يجب عدم إضاعة المال والجهد في الزراعة المطرية ذات المخاطر العالية لأنه في ذهني زراعة البلدات (الكمدوب) التقليدية حيث تُحرَث الأرض وتُبذَر البذرة ولا يشاهدها الزارع الا يوم الحصاد (لو الحبة جابت حبتين كفاية)، فإنتاجية القضارف حتى بعد ظهور الزراعة الآلية من الذرة تترواح بين جوال واحد وجوالين في المتوسط، ولكنني وجدتُ نفسي في ذلك اليوم أمام فدان ينتج عشرين جوال من الذرة مش كده وبس، وأمام قطن مطري محور يصل فدانه إلى خمسة عشر قنطار وفوق البيعة هناك محاصيل أخرى لا تقل أهمية ولا إنتاجاً ولا عائداً، أشرنا إليها أعلاه، (وبرضو تقول لي الطيارة فيها بوري؟). لم تكتفْ الشركة الزراعية الأفريقية بقيادة ربانها وجدي ميرغني بالانقلاب الزراعي المُشار إليه أعلاه، إنما قام بتجميع كبار الزراع في القضارف في جمعية الرواد وهم في الطريق لتتحول كل مشاريع الزراعة الآلية في تلك المنطقة من نظام الكيري أبو شوال واحد من الذرة، إلى التقنيات والتنوع المحصولي الذي شاهدناه أعلاه، فالعقبة الوحيدة هي التمويل. قديماً كان ينقصنا الخيال والطموح والمعرفة ولكن تجربة الأفريقية هزمتْ كل هذا بـ6/صفر، وليس هناك أصدق من البرهان بالعمل، هذه التجربة قابلة للتعميم في اثنين مليون فدان في ولاية القضارف وحدها (تاني تقول لي الجزيرة والرهد والذي منه؟)، وفي أيامنا هذه لم يعد التمويل مشكلة داخلياً كان أم خارجياً، فالذي يقنصنا الآن هو الإرادة فقط لا شيء غير الإرادة (قاتل الله السياسة في القبل الأربعة). ولاية القضارف من حيث الموقع الجغرافي (قربها من الميناء)، ومناخها (سافنا غنية)، وتربتها (سهلية منبسطة) يمكن أن تُزرع فيها عشرة محاصيل صادر بالإضافة لعدد أكبر من الخضر والفواكه، أما اذا قلت الثروة الحيوانية التي يمكن أن تعتاش على مخلفات المحصول فقط ما تقول لي هولندا أو أستراليا يا جماعة الخير، ها هي الشركة الأفريقية وهي سودانية (أمها بت عم أبوها)، تضع خارطة الطريقة بدون نفرة أو نهضة أو برنامح ثلاثي أو خماسي أو مستثمر أجنبي. فقط اعطوا السياسة عطلة مدة عامين، عليكم الله عامين فقط شوفوا أكان تسمعوا تاني عبارة: (الدولار بقى بي كم؟).  
وبعد عزيزي القارئ هذا المقال كان قد نشر في يوم الاثنين الثالث عشر من نوفمبر 2017 في صحيفة السوداني الموقوفة الان نعيد نشره بمناسبة خروج السيد وجدي ميرغني من الحبس الذي امضى فيه اكثر من خمسة اسابيع دون ان توجه له تهمة

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.