امراة من اويل تصنع الخبز من ضوء اعمدة الانارة البعيدة

بقلم : ياسر عرمان

كنتُ عابراً مثل كل العابرين في الحياة وعند ارصفة الشوارع في مدينة جوبا وقد احتواها الغبار بلا رصيف .
رأيت امراة ابنوسية ممتلئة بالكبرياء وصنع الحياة ،تضع أمامها(كريستالات ) معبأ بالوقود تعرضه على المارة واصحاب السيارات التي تجود عليها تارة بالغبار وتارة بمشتري ! اتخذت من الشارع (كنتينا) ومن اعمدة الانارة والاضاءات البعيدة معملا لتطريز ملاية ،تطرد بها السأم وانعدام الزبائن وتضيف مورداً اخراً من الرزق الشريف.
اعمدة الانارة في الطرقات كانت فكرة من افكار الاسكندر الاكبر (ذوالقرنين) الذي فتح كل العالم القديم اوربا وافريقا وآسيا وحينما بنى مدينة الاسكندرية واطلق عليها اسمه اقام في شوارعها اعمدة ووضع على رأس كل عمود زيت وقماش ،وحين يحترق القماش داخل الزيت يضئ الشوارع طوال الليل ،وتطورت (مسرجة) الاسكندر الاكبر الى اعمدة الانارة في الشوارع، الاسكندر الذي كان معلمه الخاص الفيلسوف والعالم الكبير ارسطو ظل في فتوحاته التي امتدت احدى عشر عامر يراسل شخصين امه اولمبوس التي اغتالت اباه الملك فلب لاحقا وراسل كذلك معلمه ارسطو ، والاسكندر هو اول من تحدث عن الفيدرالية والحكم اللامركزي ومن فكرة الاسكندر القديمة في اضاءة الطرقات تصنع هذه المرأة الحياة
ان هذه المرأة تنتمي الى ارض النساء والرجال الشجعان ،فهي من أويل ومن دينكا ملوال ،وفي سنوات الحرب وعلى طول جبهاتها ،شكل ابناء اويل ونحتوا مساهمتهم بجدار صلب بنوه من دمائهم وشجاعتهم ، ولم يخض الجيش الشعبي لتحرير السودان معركة او قدم شهيدا او جريحا الا وسجلوا انفسهم في دفتر الحضور منذ بدايات تأسيس الحركة الشعبية ، فقد شاركوا بجسارة ، يتقدمهم العم الراحل لوال دينق وول بقفشاته الذكية.
الجنوبيين النازحيين في مدن شمال السودان صنعوا نزوحهم من قيم الشرف ولم ينهزموا امام مشقات الحياة ،ولم تنتشر في اوساطهم الجرائم والمخدرات والدعارة ،لانهم مصنعون من طين الثقافة والقيم النبيلة .
فطوبى لامراة تستنشق الغبار وتصنع الحياة وتضيف من انارات الطرق البعيدة موردا للرزق ،وطوبى للفقراء ابد الدهر وهم صناع الحياة .

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.