عمود “نصف رأي” ||استقالة الدولة السودانية!!

خالد التيجاني النور
khalidtrair@gmail.com
(1)
هل استقالت الدولة السودانية من دورها؟. أو بالأحرى ماذا بقي لها لتقوم به كدولة مستقلة، وهي تستجدي الخارج في كل شاردة وواردة، وتتغافل عن الحلول الوطنية؟ هذا سؤال محوري ما لم يقف السودانيون عنده بوعي للإجابة عليه بمسؤولية ودون جدال عقيم، فلن يطول بهم الزمن حتى يكتشفوا أنه لن يكون بوسعهم أبداً الخروج من حلقة الأزمات المفرغة على الصعد كافة التي ظلوا يدورون فيها لعقود بلا هدى ولا عبرة، وبلا مخرج.
(2)
لقد تحوّل السودان بامتياز إلى دولة تستورد كل مقومات بقائها من الخارج، من الحلول السياسية لصراعات نخبتها على السلطة وحتى غالب غذائها، وهو داء قديم، لم تكف ثورة ديسمبر العظيمة بكل عنفوانها الشعبي وطاقات الجيل الجديد لتشكّل قاعدة لإرادة صلبة لبناء مشروع وطني جديد، في غياب قيادة بقدرها، فقد آثرت الطبقة السياسية، المفتقرة للثقة في نفسها وفي عزيمة شعبها، أن تترك لإرادات خارجية وأجندات أجنبية تسابقت، عبر وساطة لم تكن حتمية، لتفرض نظاماً سياسياً هشاً لإدارة الفترة الانتقالية، ثم تتطوع لتطلب وصاية أممية على البلاد بلا مسوّغ، وما نشهده اليوم من اضطراب وصراعات ما هو إلا ثمرة عجز الأطراف السودانية عن تحمّل مسؤولية تأسيس نظام انتقالي بأجندة وطنية، بدلا عن الاستجابة لمشاغل أجنبية.
(3)
وهكذا تفشّت وسط الطبقة الحاكمة “حالة مرضية” أنه لا حل ممكن لقضايانا إلا إذا توجهنا بها إلى الخارج في انتظار أن تمطر سماواته علينا “قمحاً ووعداً وتمنّي”، فالسلام المتعثّرة مفاوضاته، رغم أولويته المفترضة، ننتظر أن يأتينا من الخارج، وللغرابة من لدن من هو عاجز عن تحقيق السلام في بلده، ولكنها “لوثة الحلول الخارجية” تمسك بخناق الذين يتوهمون أن فاقد الشيء يمكن أن يعطيه، ما ضرورة الاستمرار في التفاوض حول مشاكل السودان في الخارج، وقد زالت الأسباب المانعة، ألا يقول الجميع إنهم شركاء أصيلون في الثورة وفي تحقيق التغيير؟.
(4)
أما اقتصادنا فحدث ولا حرج، فمع تمتعه بكل الموارد المتنوعة التي لو توفرت قيادة ذات رؤية وإرادة ونموذج اقتصادي تنموي وطني وسياسات ناجعة وإدارة فعّالة لتفجير طاقاتها الإنتاجية لفاضت خيراته، ولكن “مع ذلك .. ومع ذلك”، لا ترى إلا اتكالاً بإصرار غريب أنه لا حل لمشكلاتنا الاقتصادية إلا إذا لم يأت مستورداً من الخارج، وثالثة الأثافي أن القوات المسلحة للمفارقة انضمت لسباق الحلول الخارجية، وها هي تنضم للجوقة تعزف على لحن التطبيع بتوهم أنه”السر الباتع” لحل مشكلات الاقتصاد!!.
(5)
لو أنفق أولوا الأمر معشار هذا الجهد في السباق نحو الخارج، على النهوض بمهمة تأسيس المشروع الوطني الغائب، لارتقوا إلى تطلعات الأجيال الجديدة، ولكنها محنة الفراغ القيادي العريض.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.