يوم أن حُجبت (السوداني) .. تفاصيل ما حدث!

السابع من يناير المنصرم، كان يوماً مفاجئاً بكل المقاييس على العاملين بصحيفة (السوداني) الغراء، وأكثر فجائية وقسوة على قرائها الكرام، بحجبها عن أعينهم قسراً وحجز مقرها وسط الخرطوم بدوشكات الدعم السريع وحراستها بقوات الشرطة الأمنية الخاصة، لمجرد (الاشتباه) في ملكيتها للمؤتمر الوطني دون تقديم أسانيد ورقية وحجج منطقية تتسق مع شعار ثورة ديسمبر المجيدة (حرية – سلام – عدالة).
الخرطوم: محمد أزهري
وقائع الحجز والمداهمة!
الكاتب الصحفي بـ(السوداني) وقتها – رئيس تحرير (الصيحة) الآن الطاهر ساتي، روى بدهشة تفاصيل مداهمة قوة من أربعة نظاميين لمقر الصحيفة مساء السابع من يناير المنصرم.
الطاهر قال إن موظف الاستقبال راشد أبلغه بحضور نظاميين يطلبون من الصحافيين مغادرة مقر الصحيفة في وقت وجيز، ويضيف ذهبت إليهم وطلبت منهم إثبات هوياتهم لأنهم يرتدون الزي الملكي ففعل اثنان منهم، وانخرطنا في حوار قصير، بدأ بطلب منهم بمغادرة مقر الصحيفة فوراً بقرار من لجنة إزالة التمكين بحجة أن (السوداني) مولت من مال الشعب، طلبت منهم خطاباً يخول لهم الحجز، نفوا حيازتهم له وقالوا إنهم سمعوا القرار عبر الفضائيات.
ساتي ذهب في توضيحه – وقتها – إلى أنه وافق على تسليمهم مقر الصحيفة وطلب منهم أن يذهبوا معه ليستلموها (جهازاً جهازاً ومكتباً مكتباً) وأن يطلب حضور مدير الحسابات لإحصاء أموال الخزنة، فرد أحدهم بأنه لا يستلم بهذه الطريقة بل يريد مفتاح الصحيفة فقط وعلى العاملين المغادرة.
حسب الطاهر فإنه عقب على طلب تسليمهم المفتاح إلا أن رد النظامي كان (يازول أنا شايف كلامك كِتر)، وهنا ختم ساتي حديثه (طبعاً نحن بنعرف أساليب هؤلاء عندما يصلون هذه المرحلة) فسلمتهم المفتاح وغادرنا مقر الصحيفة متحسرين على طريقة الحفاظ على أموال الشعب إذا افترضنا أن (السوداني) ملك للشعب.
حزن
خيم حزن عميق على منتسبي صحيفة (السوداني) جراء قرار حجز صحيفتهم التي تعتبر وعاءهم الجامع، سيما وأن جُلهم كانوا ثائرين وثائرات لا تخطأهم عين الأمن أثناء مشاركتهم للمظاهرات التي أطاحت بنظام الإنقاذ، رغم ذلك أكدوا دعمهم منقطع النظير لأعمال لجنة إزالة تمكين نظام الـ(30) من يونيو، بطريقة قانونية خالية من الثغرات بطريقة تضمن إعادة أموال الشعب المنهوبة إلى خزانته الفقيرة بفعل فساد استشرى ثلاثين عاماً.
واحدة من أكبر ثغرات قرار الحجز وتنفيذه أن داهمت القوة مقر الصحيفة بالدوشكات دون أمر من النيابة أو خطاب حجز من اللجنة لإدارة الصحيفة الأمر الذي عقد المهمة على مستشارها القانوني، الذي ظل يطارد لجنة إزالة التمكين بشأن خطاب الإيقاف حتى يتسنى له استئناف القرار.

مؤتمر الحقائق الصادمة!
في الثاني عشر من يناير أي بعد خمسة أيام من الحجز خرجت إدارة تحرير (السوداني) في مؤتمر صحفي بقاعة طيبة برس، تحدث فيه رئيس التحرير ضياء الدين بلال ومدير التحرير عطاف محمد مختار والكاتب الطاهر ساتي والمستشار القانوني ماجد عثمان، المؤتمر غطته قنوات فضائية محلية وعالمية وصحف ومواقع إلكترونية، حتى ضاقت بها القاعة – يقول المداومون على طيبة برس- إن قاعتها لأول مرة تحتشد بهذا الشكل – المتحدثون خرجوا عن صمتهم وفجروا حقائق صادمة بدأها رئيس التحرير إذ قال إن الإجراءات التي تم بها الاستيلاء على الصحيفة بالقوة المدججة بالسلاح تعد سابقة هي الأولى منذ الاستقلال، وأكد أن الصحيفة ستُناهض القرار بالإجراءات القانونية، مضيفاً أن الإغلاق يُعتبر عقاباً لصحيفة السوداني لأنها لا تلتزم بمرادهم فضلاً عن أنها رسالة للصحف الأخرى، وكشف عن جهات ــ لم يسمها ــ قال إنها تحاول استغلال الصحيفة.
وأكد خلال المؤتمر الصحفي أن الصحيفة تم شراؤها من مال جمال الوالي، وتحدث عن تفاصيل بيعها من مالكها السابق محجوب عروة وقال “هناك شهود على ذلك”، وكشف عن اتصالات عديدة لحل الإشكال بين إدارة الصحيفة والدولة، وأكد أن إدارة الصحيفة ستتعاون مع لجنة التحقيق.
المستشار القانوني للصحيفة، ماجد عثمان أعلن في ذات المؤتمر عن أنهم تحصلوا على قرار الحجز بعد خمسة أيام من البحث، موضحاً أن الخطاب جاء دون تاريخ.
مدير تحرير صحيفة السوداني عطاف محمد مختار، فجر أكبر المفاجآت وقتها بقوله “إن أحد أعضاء لجنة تفكيك التمكين دخل معنا في مساومة لإبعاد رئيس التحرير ضياء الدين بلال لكننا رفضنا مبدأ تصفية الحسابات”.
تلاحم!
تعاطف منقطع النظير وجدته السوداني في محنتها من قطاعات إعلامية واجتماعية وسياسية ومنظمات مجتمع مدني ومنظمات دولية وإقليمية وأصدرت بيانات إدانة لخطوة حجز (السوداني) بالاشتباه.
التعاطف هذا يمثل دليل براءة لخط السوداني التحريري والوقفة القوية لأسرة الصحيفة بمكوناتها المختلفة – تلاحم الإدارة وإدارة التحرير والمحررين – عكس البيئة الداخلية المثالية التي تتمتع بها الصحيفة، فكانوا إنموذجاً في توحيد الصف واتساق المبادئ وتوافق القرار.

وقفة احتجاجية!
استمر حجز (السوداني) حتى نهاية يناير دون تنفيذ وعود أعضاء لجنة إزالة التمكين، هذا الاستمرار قاد أسرة الصحيفة لتنفيذ وقفة احتجاجية في 28 يناير أمام وزارة العدل، اعتراضاً على استمرار الحجز وسلموا مذكرة إلى وزير العدل تحوي مطالبهم.
الوقفة شهدت تضامناً كبيراً من الزملاء الصحافيين، وعملت على تغطيتها وسائل إعلام محلية وعالمية.
صحفيو (السوداني) طالبوا في المذكرة التي تسلمها مستشار بوزارة العدل، بالبت في الاستئناف المقدم أمام لجنة “تفكيك النظام”، أو السماح للصحيفة بالصدور في حال تعذر الوصول لقرار سريع، واكتمال مراحل التقاضي التي حددها القانون والدستور.
تصعيد!

انقضى يناير كاملاً وبدأ فبراير يمضي بثبات نحو خواتيم العشرة الأوائل منه وما زال الحال كما هو في يوم 7 يناير، وبالمقابل لم تفرغ كنانة الصحفيين فقرروا تصعيد قضيتهم وأعلنوا في 6 فبراير عن تنفيذهم اعتصاماً أمام مقر الصحيفة اعتباراً من الخميس الموافق 13 فبراير بعد تسليم مذكرة لرئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك وممثل الأمم المتحدة بالخرطوم، على أن يستمر الاعتصام لثلاثة أيام، ومن ثم الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام، مؤكدين أن لجنة تفكيك التمكين لم تلتزم بالحفاظ على حقوقهم وعدم تضررهم من قرار الحجز بحسب ما أعلنت في أول مؤتمر صحفي لها وحتى اليوم الموافق 6 فبراير لم يتسلم العاملون رواتبهم.
العاملون أوضحوا في بيان نشر على منصات التواصل الاجتماعي والصحف أن اللجنة منعتهم من حقهم في العمل كحق من حقوق الإنسان بإغلاق الصحيفة لمجرد الاشتباه في ملكيتها دون اتخاذ أي إجراءات في هذا الصدد رغم مرور شهر على حجز الصحيفة والتسويف الكبير والمماطلة من قبل اللجنة في الرد على استئناف الصحيفة رغم مرور أكثر من 20 يوماً على تقديمه.
إلكترونياً!
شغف كبير للكتابة وملاحقة الأحداث وعكس الحقائق للناس انتاب صحفيي (السوداني) خلال فترة الإيقاف، فكان مكان (السوداني الإلكترونية) شاغراًَ رغم كثافة المواقع في الشبكة العنكبوتية، لذلك قرروا فك العزلة وتحرير أقلامهم باستئناف صدور الصحيفة إلكترونياً ، النسخة الإلكترونية تلقفها القراء بشراهة الجياع، وتفاعل مع خبطاتها وموادها الرصينة آلاف الزوار وحققت رقماً قياسياً في وقت وجيز.
دين في أعناقنا!
رئيس مجلس إدارة (السوداني) جمال الوالي، رد على موقف العاملين بالصحيفة التصعيدي برسالة، قال فيها أنا سعيد جداً جداً بالموقف الكبير العظيم المناصر للصحيفة، والتصدي لكل أشكال الإيقاف غير المبرر الذي حدث، وأضاف تضامنكم أثلج صدورنا جميعاً، وهذا الموقف الكبير سيكون ديناً في أعناقنا وهو ليس بغريب عنكم وعن أسرة (السوداني) المتميزة أداءً وخلقاً وتعاملاً ونتمنى أن يكون دافعاً لمزيد من التجويد.
الوالي أكد على سلامة موقفه في شراء الصحيفة قائلاً (أرجوا أن لا تهتموا كثيراً لما يقال عني كمالك لأن هذه القضية قضيتي أنا قبل أن تكون قضيتكم وأحب أن أكد لكم أنكم والله طيلة فترة صدور (السوداني) من 10/10/2010م، وحتى الآن لم يدخل عليكم – والله العظيم وأقسم بالله العظيم ثلاثة – أي مبلغ لا من حزب ولا من دولة).
تناقضات!
عضو مجلس السيادة – نائب رئيس لجنة تفكيك نظام الـ(30) من يونيو محمد الفكي أعلن في 11 يناير المنصرم عن عودة صحيفة السوداني للعمل خلال الشهر الجاري، والتزام الدولة بصرف المرتبات، لكن هذا لم يحدث حتى انقضاء يناير.
وكيل وزارة الإعلام الرشيد سعيد خاطب مؤتمر لجنة إزالة التمكين في 12 يناير وقال إن اللجنة لا تستهدف صحفيي “صحيفة السوداني” ، وأوضح أن اللجنة تحقق في نقل ملكية الصحيفة من مالكها السابق محجوب عروة إلى الأخير جمال الوالي، وقال “لدينا معلومات تؤكد أن الرئيس المخلوع وجه الفاتح عروة بأن يطلب من جمال الوالي شراء الصحيفة ”، إلا أن الرشيد لم يكن ضمن أعضاء اللجنة التي خاطب مؤتمرها.
الرشيد نفسه عاد وقال في حوار مع (الصيحة) إن الوزارة لا تملك أي معلومات بشأن أسباب إيقاف صحيفة السوداني وأشار إلى أن الوزارة سَعَت لإيجاد مُعالجات، لكن كان للجنة التفكيك رأيٌّ آخر، “وأضاف نحن لسنا بسُلطة أعلى منها، لأنّ للجنة قانوناً لا يُمكن أن يَتجاوزه مجلسا الوزراء والسيادي حتّى”.
وكشف في حواره مع (الصيحة ) في 10 فبراير، إنّهم تسلّموا تقارير من المجلس العسكري حول قناة “الشروق” وصحيفة “الرأي العام” تُشير تبعيتهما للمؤتمر الوطني، فَضْلاً عن اعترافات البشير في المحكمة حول تسلُّم قناة “طيبة” أموالاً عامة، أما قضية صحيفة “السوداني” فقال إنّ “وزارة الإعلام لا عِلمَ لها بها، ومع ذلك سَعَت لإيجاد مُعالجات، لكن كان للجنة التفكيك رأيٌّ آخر”.
التناقض يكمن في حديث وكيل وزارة الإعلام الرشيد سعيد في مؤتمر صحفي للجنة الإزالة وحديثه مع (الصيحة) إذ أكد في الأول أن البشير وجه الوالي بشراء السوداني، أما في الثاني قال إن الوزارة لا علم لها بقضية (السوداني)؟.
زغرودة العودة!
انطلقت زغرودة عفوية داوية في حوش “السوداني” من أفواه مشاعر عثمان ومشاعر أحمد وفاطمة رابح تعبيراً عن فرحة عودة الصدور، عقب استلام إدارة الصحيفة لخطاب مزاولة الصدور يوم 12 فبراير أي بعد نحو 35 يوماً من الحجب والحجز.
“الزغرودة” لاقت اهتماماً واسعاً في أوساط قروبات مواقع التواصل الاجتماعي، وقامت بعض الصحفيات بوضعها على حالات الواتس آب، تعبيراً عن مكانة (السوداني) في قلوب قرائها ومتابعيها.
البراق في السوداني!
السكرتير الصحفي لرئيس مجلس الوزاراء البراق النذير الوراق، سُمي مشرفاً إدارياً ومالياً على صحيفة (السوداني)، دون التدخل في الشأن التحريري كما حمل الخطاب. البراق زار موقع الصحيفة مساء الخميس المنصرم وأشرف على عملية إخلاء رجال الشرطة الأمنية من مقر الصحيفة بالتنسيق مع إدارتهم. إدارة (السوداني) استقبلات البراق وأبدت مرونة كبيرة في التعامل معه وتسهيل مهمته بكل ما يحتاج، حتى يستبين الخيط الأبيض من الأسود في مسألة ملكية الصحيفة وانتهاء التحقيقات.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.