خطاب حمدوك.. تهديدٌ للسيادة أم تكريسها؟! (١)

تحليل سياسي: محمد لطيف

في سبتمبر من العام الماضي كان رئيس الوزراء السوداني يتجول في ردهات الأمم المتحدة مترئساً وفد السودان.. غير أن أهم ما فعله الدكتور حمدوك في تلك الجولة، هو مخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة.. أما أهم ما قاله حمدوك في خطابه ذاك، فهو استعراض التعقيدات التي تعتور المشهد السوداني بعد التغيير.. ثم عرض مطلوبات المرحلة الانتقالية.. أما العبارة المفتاحية في كل ذلك فقد كانت تلك التي وجهها حمدوك لذلك الحشد من ممثلي دول العالم مطالباً المجتمع الدولي؛ عبر الأمم المتحدة أن يمد يد العون للسودان، حتى يتمكن من إنجاز تلك المطلوبات.!

ثم لم يكن مفاجئاً أن يأتي الرد على طلب حمدوك ذاك سريعاً.. فقد صدر التعميم التالي من مكتب الأمين العام للأمم المتحدة في نيويورك.. نوجز أهم ما فيه على لسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي قال يومها.. أي في سبتمبر الماضي: (إن الأمم المتحدة ستدعم الحكومة الانتقالية في السودان في تنفيذ كافة متطلبات المرحلة الانتقالية التي توصل إليها السودانيون؛ وفق الوثائق التي وقعوها والتزام الأمم المتحدة بدعم مرحلة التنفيذ في جميع مجالات أنشطة الأمم المتحدة..!)

إذن.. كانت هذه إضاءة مهمة جداً للحديث عن خطاب حمدوك الذي أقام الدنيا ولَم يقعدها بعد.. ولئن كانت النخبة السودانية من ساستها وكتابها غير مشغولين بما دار في ردهات الأمم المتحدة تلك الأيام، فإنهم كانوا أكثر انشغالاً عن وقائع أخرى ظلت تشهدها ذات الأروقة ومواقع أخرى في العالم.. فبعيد تلك الزيارة بأقل من شهر كان السودان قد حصل على موافقة الأمم المتحدة بتمديد أجل بعثتها في السودان والموسومة بيوناميد، لعام آخر ينتهي في أكتوبر.. فتواصل الجدل حول مستقبل دور الأمم المتحدة في السودان بعد يوناميد.. مقروناً ذلك بسؤال آخر: كيف تنفذ الأمم المتحدة تعهداتها التي قطعها الأمين العام للسيد حمدوك في سبتمبر..؟ عليه؛ ولأن واحدة من أكثر الأمثال تعاطياً في السودان ذلك الذي يقول: “إذا عرف السبب بطل العجب”. فإن خطاب رئيس الوزراء الذي بعث به في يناير للأمين العام للأمم المتحدة.. كان في الواقع مجرد محاولة. ولكنها محاولة جادة ومخدومة. للإجابة على سؤال يظل يشغل العالم كله، إلا السودانيين، لصياغة دور الأمم المتحدة في السودان بعد مغادرة بعثة يوناميد..!

إن خطاب حمدوك الذي يثير كل هذه الضجة السالبة الآن.. لم يفعل أكثر من أن يشرح للأمم المتحدة كيف تنفذ تعهدات انطونيو غويتيريش بدعم السودان في كافة المجالات وعلى كل المستويات لتجاوز تعقيدات المرحلة الانتقالية.. عليه ستكون المفاجأة الحقيقية لكثيرين.. لا أن يخاطب رئيس الوزراء الانتقالي الأمم المتحدة، لدعم عملية الانتقال المعقدة هذه، كحق طبيعي للسودان، كدولة عضو كاملة السيادة، لها حق طلب خدمات الأمم المتحدة.. بل ستكون المفاجأة أن يكتشفوا سعي البعض لحرمان السودان من الحصول على هذا الدعم المستحق.. وبالتالي السعي لتعطيل أية جهود تعين على إنجاز مطلوبات الفترة الانتقالية.. وتزداد دهشتك حين تعلم أن أكثر النائحين على ضعف حكومة حمدوك، هم أيضاً أكثر الناقمين على خطابه.. وذلك بزعم تهديد السيادة الوطنية.. وهم يجهلون أو يتجاهلون؛ أن خطاب حمدوك قد كرس لأقصى درجات السيادة، حين نص صراحة على إعادة النظر في طريقة عمل الأمم المتحدة في السودان..! نواصل.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.