عبداللطيف البوني … حاطب ليل

القطر قام

(1)
بالأمس، قلنا إن حكام الفترة الانتقالية قد تمحقت عليهم الأمور وقنعوا من خير في الداخل، وهذا اليأس قد يكون راجعاً لأسباب موضوعية أو أسباب ذاتية، فالنتيجة أن هناك فشلاً في تحويل الروح الثورية الوثابة الى حل قضايا الوطن الحقيقية، فتكاثف الغبار وحجب الرؤية نحو الذات، فيمم الحكام وجوههم شطر الخارج على طريقة (سيد الرايحة يفتح خشم البقرة). فكان لقاء نتنياهو، وكان الخطاب الى مجلس الأمن، وكانت لاهاى. وبالأمس توقفنا عند لقاء نتنياهو، واليوم نقف عند خطاب حمدوك الى الأمم المتحدة طالباً منها المساعدة في حفظ السلام وتقديم العون الفني لإدارة البلاد لتكمل مسيرة الفترة الانتقالية.
(2)
للخوض في هذا الأمر لابد في الأول من إثبات حقيقتين: الأولى هو أن السيادة بمعناها القديم المطلق أصبح لا وجود لها في عالم اليوم، فالسيادة اليوم تتآكل طوعا وكرها. أما طوعا فالدخول في أي عمل دولي مشترك مرجو الفائدة يلزم التنازل عن قدر من السيادة، أما كرها فأي مهدد للأمن والسلم العالميين، وأي انتهاك لحقوق الإنسان يقابل بقضم جزء من السيادة، ونحن في السودان شهدنا النوعين من تآكل السيادة، ففي ما يتعلق بالتنازل عنها قسرياً، يكفي وجود اليوناميد واليونسيفا بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وما وجود الاتحاد الأفريقي في هذين المكونين إلا لتخفيف الوقع ومحاولة لتطويع الواقع، أما التنازل الطوعي عن السيادة فحدث ولا حرج، ويكفي استقبال أوكامبو في يوم من الأيام بالبسمة والأحضان.
(3)
الطلب الى الأمم المتحدة المساعدة في حفظ السلام تحت البند السادس الخالي من القوة العسكرية، أمر كان لابد منه، لأن تكلفة السلام من إعادة لتوطين اللاجئين والنازحين ونزع السلاح وإعادة الدمج وتوفير مقومات الحياة للذين فقدوا مواردهم جراء الحرب، أمر عالي التكلفة لا قبل للسودان به والمعروف أن الأمم المتحدة غنية جدا وسخية جدا في أمر السلام، وهو البند الوحيد المفتوح لديها، فالطلب إليها لدعم السلام حتى قبل صناعته، يعتبر خطوة استباقية ذكية للحث عليه، فلو أعلنت الأمم المتحدة اليوم أنها خصصت كذا مليار لحفظ السلام في السودان، فإن هذا سيكون بمثابة المحفز الذي سوف يسرع بعملية صناعة السلام.
(4)
أما أن يكون حمدوك طالباً في خطابه للأمم المتحدة أن تساعد الحكومة في كل مناحي الحياة السياسية بما في ذلك تنفيذ الوثيقة الدستورية،والاشراف على كافة الانشطة وفي كل البلاد ولمدة عشرة سنوات فهذا أمر فيه نظر كبير لأنه لا يلغي مؤسسات الداخل الرسمية فحسب، بل يلغي حتى الثورة الشعبية المناط بها حماية مكتسباتها، ومع ذلك لم يكن خطاب حمدوك رداً على مقابلة نتنياهو لانه كان قبلها ولم ياتي في إطار الصراع المدني العسكري على ريادة الفترة الانتقالية، ولا أظن أنه أتى لتدويل قضايا السودان أو ضعه تحت الانتداب الأممي، إنما جاء نتيجة إفراط في الثقة في المؤسسة الدولية، والخطا الاكبر كان الانفراد بمثل هكذا قرار وعدم ماسسته بتجاهل بقية مكونات الحكومة، فالمطلوب الآن تدارك الأمر بإخضاعه للمؤسسية والشورى والفحص العلمي الموضوعي، لا بل وصله بتل أبيب السابقة ولاهاي اللاحقة كي نبتعد عن حلة – بفتح الحاء- القطر قام التي (تجقجق) الآن.
وخليكم معنا إن شاء الله.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.