الدواء.. التسلل خلسة إلى السوق الأسود

الخرطوم: تسنيم عبد السيد
(الخبز، الوقود، الدواء) ثالوث الأزمات الذي بات يُمثل هاجسًا للحكومات سواء السابقة أم الحالية، ويبدو أن حلها عصيٌّ أو على الأقل لم يحُن وقته بعد، فأسعار الدواء بالصيدليات لم تعُد في متناول المريض إن وجدت، هذا فضلًا عن نُدرة وانعدام في عدد كبير من الأصناف الدوائية قُدر بـ(50%)، (الـسوداني) خرجت في جولة على عدد من صيدليات الخرطوم لتستقصي الواقع وتقف على الحقائق كاملة والتعرف على مكامن الخلل والنقص ومسببات الأزمة..

الأزمة مُستمرة
كشفت جولة لـ(السوداني) بصيدليات الخرطوم عن انعدام عدد كبير من الأصناف الدوائية أبرزها أدوية الملاريا ” حبوب، حقن”، وأدوية الضغط والسُكري وعدد كبير من أدوية الأطفال، و ” شرابات الكُحة”،
وقال الصيدلي د. عبد الرحمن جعفر لـ(السوداني) إن الفجوة في الدواء تصل لنحو 50%، وأن عددا كبيرا من الأدوية المُنعدمة في الصيدليات مُتوفرة في السوق الأسود، مُنوهًا إلى أن أزمة الدواء مُستفحلة ولا بوادر لحسمها، خاصة مع الانعدام التام للرقابة حتى وصل الأمر إلى أن تشتري الصيدليات الدواء من تُجار السوق الأسود، ولفت جعفر إلى أن هذا الحال مُستمر لنحو ثلاثة أشهر لأن الشركات باتت تبيع الدواء للتجار لتزيد أرباحها، كاشفًا عن أن الصيدليات تُعاني في الحصول على الدواء الذي يتوفر في السوق الأسود وبأسعار مُضاعفة ولكن عندما يُطلب من الشركات غير موجود، مؤكدًا أن سعر الدواء في السودان بات يتحكم فيه تُجار وليس وزارة الصحة، مُنبهًا إلى أن الدولة لا بد أن تتدخل لحسم هذه الفوضى وإلزام الشركات بعدم إخراج أية طلبيات إلا بموجب رُخصة صيدلية لضمان عدم تسربها للتجار والسوق الأسود.

انعدام الرقابة
وبحسب صيادلة تحدثوا لـ( السوداني) فإن أسعار الدواء لقُرابة العام غير مستقرة وليست مُوحدة بين الصيدليات لانعدام الرقابة، فضلًا عن الارتفاع الكبير في أسعار الأدوية مؤخرًا والذي وصل في بعض الأصناف إلى 100%، و300% في أصناف أخرى.

وكشف د. عبد الرحمن لـ( السوداني) عن سياسات جديدة للشركات أبرزها البيع بـ” الكاش” لجهة ارتفاع وعدم استقرار سعر الصرف ما يجعل من البيع بالتقسيط غير مُجزٍ بالنسبة للشركات.
فيما يذهب د. مروان الخير من صيدلية ” المودة” بالخرطوم إلى أن ارتفاع سعر الدواء مرتبط بتكاليف إيجار الصيدلية وموقعها، وأُجرة الصيدلي خلال ساعة العمل، ففي العام الماضي كانت الساعة بمبلغ 500 جنيه، أما في هذا العام فبلغت أجرة الصيدلي ألف جنيه في الساعة الواحدة، من غير تكاليف الضرائب والزكاة وأجرة عمال النظافة وغيرها من التكاليف التي من شأنها رفع سعر الدواء.
عدم التزام

وتحدث صيادلة لـ( السوداني) بأن ازمة الدواء مستمرة لأكثر من عام وما تزال تُراوح مكانها، فيما عبر عدد من المواطنين التقت بهم (السوداني) بشارع الحوادث بالخرطوم عن استيائهم بسبب غلاء وندرة الأدوية خاصة المنقذة للحياة.
واتهمت الصيدلانية د. عفراء الزين من صيدلية (دريم) بالخرطوم منافذ لبيع الدواء وصيدليات لا تلتزم بقرار مجلس الأدوية والسموم الخاص بالأسعار، وإنما تضع زيادات على الأدوية دون الرجوع للمجلس، مؤكدة أن أسعار الأدوية مرتبطة بقرار من مجلس الأدوية والسموم، بحيث لا تقوم الصيدليات بزيادة سعر الدواء دون الرجوع للمجلس، أو دون مراعاة لأعباء المواطن .

غير مشروعة
الصيدلي السمؤال عبد الكريم قال في حديثه لـ(السوداني) إن ارتفاع وغلاء سعر الدواء يعود إلى توقف بعض الشركات الأجنبية عن الاستيراد والبيع لمكونات الأدوية الفعالة لمصانع الدواء السودانية، بسبب انخفاض قيمة الجنيه السوداني أمام سعر قيمة الدولار خلال هذه الفترة .
ونوه السمؤال إلى انعدام الرقابة وعدم وجود سعر محدد تلتزم به جميع الصيدليات، ولفت السمؤال إلى وجود احتكار من قبل التجار والسماسرة الذين يقومون بشراء أكبر قدر ممكن من الأدوية في الأسواق بطرق شرائية مختلفة مشروعة أو غير مشروعة، للتحكم في سعر الدواء بقصد الربح، في انعدام تام للرقابة.

حلول عاجلة
وزارة الصحة ولاية الخرطوم اعتبرت أن الزيادة الكبيرة في ميزانية الصحة التي قررتها الحكومة لهذا العام والتي بلغت نسبة 100%، لن تكفي حاجة القطاع خاصة مع الارتفاع المستمر في سعر الصرف، وقال المدير العام للوزارة د. الفاتح عثمان إن حل أزمة الدواء يكمن في توفير المبالغ المُخصصة للاستيراد في وقتها المحدد، وشدد الفاتح في تصريحات لتلفزيون ” الخرطوم” الاثنين الماضي على أن إيجاد حلول عاجلة واسترتيجية لأزمة الدواء هو من أولويات الحكومة الحالية بجانب الخبز والوقود، مُشيرًا إلى خطوات جادة في هذا الصدد مع كافة الجهات ذات الصلة لتوفير الدواء بالأسعار المناسبة والموحدة بكافة منافذ البيع.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.