(الشعبي ينعي زوجته)

  • بعد الثورة المجيدة، ومن بين كل الأحزاب والكيانات والتيارات السودانية، لم أجد من هو أكثر اضطراباً وتشتتاً في المواقف، مثل حزب المؤتمر الشعبي، الذي يعيش حالة من اللا توازن، لم يمر بها في أوج المفاصلة التاريخية بينه، وبين جناح القصر قبل عشرين عاماً.
    *بداية، عارض الحزب العجوز، الثورة من موقعه كشريك في السلطة، وبعد نجاحها، ركب الموجة، بتأييده لها، وتصنيف نفسه كشريك فيها من داخل النظام، وبعد ذلك ناهض الوثيقة الدستورية، وهدد بتمزيقها شر ممزق، وبإسقاط الحكومة الانتقالية، ومن دون مقدمات انعطف الحزب 180 درجة، مشيداً بالحرية الحالية، وهي حريات لم يجدها في نظام المؤتمر الوطني الذي صنعوه في 89 ولحقوا به من جديد في سنوات عمره..!!.
    *لم يكتف الأمين العام للحزب، الدكتور علي الحاج بتلك الإشادة، لكنه أعلن دعما لا محدود لتسليم المطلوبين دولياً من رموز النظام البائد، وعلى رأسهم المعزول عمر البشير، للمحكمة الجنائية الدولية، واستغرب واستعجب يشارك في نظام رأى في رئيسه مجرما يستحق إرساله مصفداً للاهاي .. لكنها تناقضات حصرية على (الشعبي).
    *حالة التضارب في المواقف، تبدو بوضوح شديد، حتى في البيانات الراتبة للحزب، ودونكم بيانه الاخير، عقب المحاولة الفاشلة، لاغتيال رئيس الوزراء، دكتور عبد الله حمدوك، فبعد أن ملأ البيان بعبارات الشجب والإدانة، والمطالبة بالكشف عن الجناة وتقديمهم للمحاكمة، قفزت جمل فجأة في البيان، لا مكان لها من الإعراب، ولا تتسق مطلقاً مع روح البيان، وللفائدة العامة، اوردها هنا بنصها، حيث جاءت كالآتي:
    “إن الكيانات الكبيرة التي تطمع في الانتخابات لا تقوم بمثل هذه الأعمال وإنما يقوم بها أولئك الذين لا يجدون ولا يمكن أن يحصلوا على تفويض شعبي في انتخابات حرة ونزيهة”.
    *مساحة المقال هذا، لو كانت كافية لنشرت البيان كله ليدرك الجميع حجم شذوذ العبارة وخروجها عن السياق والموقف الظاهري، ويجيبوا على التساؤل عن دوافعها؟ وهل ثمة أي تلميحات لتورط الحزب في المحاولة؟وقبل ذلك هل يعتقد الحزب في نفسه بأنه كيان كبير، لأن (الشعبي) لم يمر إلى الآن بامتحان انتخابي يظهر ثقله الجماهيري، وحتى لما شارك في السلطة، رضي بفتات الوزارات والمقاعد البرلمانية مما يكشف عن مدى تقديره لحجمه.
    *سؤال أهم، هل مثل هذا الحديث ، مطلوب الإشارة فيه تصريحاً أو تلميحاً، لاتهام جهات دون دليل ودون تحقيق ؟ .
    *لقد أعادت تلك الجمل إلى ذهني قصة ذلك الخياط الذي أراد نشر نعي زوجته في واحدة من الصحف وفي نفس الوقت الترويج لبضاعته، فكتب باختصار شديد “حسنين ينعي زوجته ويعلن عن وصول تفصيلات جديدة” فـ(الشعبي) أراد أن يدين المحاولة وفي نفس الوقت، تمرير أجندته تعريضاً بخصومه، وهو سلوك في منتهى الانتهازية، ولا يتواءم مع الموقف بأبعاده الإنسانية.
    *لا مهرب للخروج من الحالة التي يعيش فيها المؤتمرالشعبي الآن، إلا بتنحي كل القيادات الكهنوتية الجاثمة على القيادة، وبروز التيار الشبابي الذي حدد خياراته، وانحاز باكراً للثورة تاركاً للكهول، كراسي السلطة، والحسرة والندم .
شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.