تحليل سياسي : محمد لطيف

هيبة الدولة .. الجشع قبل الكورونا !

كتبت في هذه المساحة صباح السبت .. وتحدثت من التلفزيون القومى بالأمس .. حول أمر واحد .. ألا وهو الرهان على وعي المواطن في مواجهة وباء الكورونا المحتمل .. المحتمل بالنسبة للسودان بالطبع .. وتركيزي على وعي المواطن دفع البعض للظن .. وبعض الظن إثم .. أنني أبرئ الدولة من مسؤولياتها تجاه تأمين البلاد وحماية المواطنين .. وهذا ليس صحيحاً البتة .. صحيح أنني تحدثت عن ضعف الدولة وقصور الإمكانات .. في هذه المرحلة الانتقالية .. وأن هذا الضعف يجب أن نعوضه بتفعيل القاعدة الذهبية .. الوقاية خير من العلاج .. وأن مهام الوقاية يجب أن يمارسها المواطن بالدرجة الأولى .. ولكن الصحيح أيضاً .. أنني لم أغفل دور الدولة في توفير المعينات الأساسية .. والتي يفترض أن تعين المواطن في تحقيق الوقاية المطلوبة لنفسه ولأسرته وللمجتمع من حوله ..!
ولعل أخطر ما يمكن أن يواجه المواطن الآن .. هو عجزه عن الوصول إلى مقومات أساسية في هذه الوقاية .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر .. المعقمات والكمامات وغيرها من الأدوات الصحية .. التي اختفت بقدرة قادر من أرفف البقالات وفترينات الصيدليات .. لا بفعل الإقبال الكبير عليها من قبل المواطنين .. بل بفعل أمر آخر .. يبدو أخطر من الكورونا نفسها ..إنه يا سادتي الجشع .. والذي بدأ يمارسه بعض ضعاف النفوس ومرضى الضمائر .. وحتى لا نطلق القول على عواهنه إليكم هذه القصة ..!
روى صديق صيدلي .. نحتفظ باسمه.. أنه اتصل بمندوب شركة طبية معروفة .. نحتفظ باسم المندوب وباسم الشركة .. حيث اعتاد هذا المندوب أن يمد هذا الصيدلي باحتياجاته .. وقد أكد المندوب المعني للصيدلي أن لديه ألف وحدة متنوعة جاهزة للتسليم .. واتفق الطرفان أن يتم التسليم صباح اليوم التالي .. وتسليم المقابل المادي نقداً وفوراً ..كما اشترط المندوب ووافق الصيدلي .. وفِي موعد التسليم ظلت فترينات الصيدلية فارغة .. فيما أفاد شهود عيان .. أن دفاراً ..نعم دفار .. قد حضر إلى مقر الشركة مبكراً في يوم التسليم .. وحمل البضاعة إلى جهة غير معلومة .. فيما ظل هاتف المندوب .. الذي نحتفظ باسمه .. مغلقاً ..حتى كتابة هذه السطور .. !
فماذا يعني هذا .. ؟
يبدو المشهد شارحاً لنفسه .. وواقعة هذا الصيدلي .. من المؤكد أنها تتكرر في كل يوم ألف مرة ..وفِي ألف موقع .. لا لسبب إلا لأن تجار الأزمات قد وجدوا في المشهد الآن فرصة ذهبية لتحقيق أرباح فاحشة .. ومكاسب رخيصة .. وهم في هذا لا يقلون انحطاطاً ودناءة عن تجار الحروب .. والمتاجرين بقوت الشعب .. !
إذن هنا يأتي دور الدولة ومسؤوليتها في فرض هيبتها على هذا القطاع .. إن على الدولة أن تبدأ الآن وفوراً خوض معركة مقدسة ضد الجشعين وتجار الأزمات .. بتفعيل الأجهزة الرقابية .. بمختلف مسمياتها واختصاصاتها .. إن أمر الطوارئ الذي أصدرته السلطة السياسية بالأمس .. يجب أن يبدأ تطبيقه من هنا .. فإن لم تفعل الدولة ذلك .. يصبح أمر الطوارئ هذا .. أقل قيمة من الحبر الذي كتب به ..!!

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.