استفهامات || احمد المصطفى ابراهيم

العزاء في السودان يحتاج وقفة

شارك الخبر

لا أنسى ذلك اليوم الذي طلب مني ابن خالتي أن أذهب معه وصديق ثالث ليؤدي واجب العزاء في مدينة تبعد عنا 309 كلم. كم ساعة مكثت الرحلة حتى وصلنا بيت صديق ابن خالتي في تلك المدينة ليس أقل من أربع ساعات ذهاباً ومثلها إياباً. كم مكثنا بعد ان رفعنا أيدينا بالفاتحة التي لم تأخذ إلا نصف دقيقة. كم كمية الوقود التي حرقناها لنقول (الفاتحة)؟
قطعاً استحسن صديق ابن خالتي هذه المجاملة وكذلك شكرنا ابن خالتي على مجاملتنا له ونحن لا نعرف المُتوفى ولا أخيه. كم من الأعزاء القراء مارس هذه المجاملة دون حسابات للزمن ولا الجهد المالي ولم يفكر في البدائل.
أنا لست مع (ينتهي العزاء بانتهاء مراسم الدفن) فهذه قسوة وجلافة لا يحتملها الطبع السوداني الرقيق. ولست ضد العزاء عموما أي في الدوائر المحلية في حدود المعقول القرية وما جاورها من قرى في دائرة نصف قطرها 25 كلم لا بأس وربما تزيد في بعض الحالات الخاصة. وفي المدينة الواحدة مهما بعدت الأحياء.
لكن أن يسافر ابن آدم او مجموعة من بورتسودان لعزاء في الجنينة أو نيالا ليرفعوا الفاتحة فهذا ما لا يقبله عقل سليم والحياء هو ما يجعله غير مطروحاً للنقاش. يبدو أن أهلنا في شمال السودان حسموا هذه المسألة فكثيراً ما سمعنا أنهم احتجوا على أسلوب أداء العزاء عبر المسافات البعيدة وعوضوه بالمجاملة المالية.
لن أتطرق الى ظاهرة مُجمعٌ على سوئها هي ظاهرة خروج الموظفين أثناء ساعات العمل الرسمية لأداء واجب العزاء بالسيارات الحكومية وفي الزمن الرسمي الذي هو للمواطن. فهذه يجب محاربتها بقرار ولتكن مجاملتهم بعد نهاية يوم العمل.
أعود لقطع المسافات الطويلة لرفع الفاتحة لماذا لا يستعاض عنها بالرسائل ما الفرق بين أن يكتب لك أحدهم او يقول لك بالصوت: أحسن الله عزاءكم وغفر الله لميتكم واللهم ادخله الجنة بغير حساب. وبين ان يقف أمامك ليهمهم بكلمات لا تسمعها.
سيرد عليّ كثيرون يقولون هذه من سجايا المجتمع التي يجب المحافظة عليها والعض عليها بالنواجذ. لم أرفضها كلياً ولكن تحتاج معقولية لا تفقد المجتمع خصائصه ولا مبالغة فيها. أكثر من مائة كيلو هذه لا أرى لها وقعا من الناحية الاقتصادية ولا الاجتماعية.
كل هذا عادات اجتماعية لم تعرض على الشرع، فشرعاً المسلم مطالب بتشييع الجنازة والصلاة عليها (من شيع جنازة فله قيراط ومن شيعها وصلى عليها فله قيراطان والقيراط مثل جبل أحد).
لا نجد مأتماً خلا من المعزين من الأقارب والجيران، فلماذا تكبد مشاق مئات الكيلومترات لرفع الفاتحة؟ ترون أنى لم أتطرق للصرف المالي في ضيافة المعزين والذي صار شاقاً مع أزمات الخبز (وغلائه لا داعي لها) وندرة الوقود.
من يراجع هذه العادات الاجتماعية ويخضعها للمنطق بعيداً عن العواطف؟

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.