الاقتصاد الأخلاقي.. في زمن الكورونا !

المهندسة إيناس محمد لطيف ربما استشعرت معاناتي مع الكتابة اليومية التي لا أطيقها .. فقررت دعمي بهذا الجهد .. ولكن هذا لا ينفي أنها بحكم وجودها المهني في قطاع الأعمال .. ووجودها الاجتماعي في المجتمع المدني تثير اليوم قضية مهمة ربما فجرتها الأزمة الصحية التي يعيشها العالم اليوم .. فلها الشكر ولجيلها التوفيق فى إنجاز ما فشل فيه جيلنا.
م.ل
منذ بدء العام وحسيس وباء الكورونا المستجد ينهش هشيم العالم، معرياً الأنظمة الصحية لكبرى الاقتصادات العالمية، حيث أصبحت أحقية العلاج بإمكانية المعافاة من المرض، تاركاً كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة لرحمة القدير، الأمر الذي تسبب في جدالات إخلاقية ستستمر لزمن ليس بالقصير.

وإذا كان ما نواجهه الآن هو معضلة صحية/إخلاقية، فما سنواجهه لاحقاً هو انهيار اقتصادي وتغير كبير للخارطة الاقتصادية ومنظوماتها، فمع فشل الاتحاد الأوروبي في دعم دوله الأعضاء -إيطاليا و صربيا –في مواجهة هذه الجائحة، علت الأصوات المنددة بذلك، والذي يمكن أن يؤدي بهذه الدول لخيار الخروج من الاتحاد إذا ازدادت الأمور سوءاً، سائرين على ركب زميلتهما السابقة بريطانيا، وعاد إلى السطح مجدداً مصطلح الاقتصاد الأخلاقي في محاولة إلى أن يدرج الإنسان في معادلات الاقتصاد، والذي في تعريفه البسيط هوعلم دراسة خيارات المجتمع لاستخدام موارده المحدودة، بانياً أسسه على علم الرياضيات، ناسياً أو متناسياً العامل الإنساني ومدى مواءمة هذه الخيارات لوضعه المادي والنفسي والأخلاقي على حد سواء.

في محاولة للالتفاف على هذه المعضلة وإيجاد الحلول، استحدثت مبادئ متعددة تندرج تحت مفاهيم علوم الموارد البشرية وعلوم التسويق، ومن ضمنها -وهو مايهمنا اليوم- مفهوم المسؤولية المجتمعية، والذي يلزم -إذا صح التعبير- الشركات -الكبرى منها والصغرى- بالوضع في الاعتبار المجتمع الذي يحيط بالمؤسسة، والمساهمة في تنميته ما أمكن، بالإضافة الى مراعاة البيئة، وبيئة العمل، وجودة المنتج، وما إلى ذلك من أهداف المسؤولية المجتمعية للمؤسسات.

وفي ظل ما يواجهه العالم اليوم، فقد تعاظم هذا الدور المجتمعي، فعلى المدى الزمني القريب فإن المؤسسات مسؤولة من توفير أقصى معينات السلامة للموظفين والتي قد تصل إلى إيقاف العمل تماماً أو العمل من المنزل إن أمكن ذلك، بالإضافة لدورها في دعم مجتمعها بالتبرعات المادية والعينية في سبيل دعم الحكومات في مكافحة هذا الوباء، وأما على المدى الزمني البعيد، فقد أثبت هذا الوباء أن الصحة هي أساس كل شيء، وأنه بدون الإنسان فليس هنالك اقتصاد، لذا يجب أن تتوجه هذه المؤسسات إلى دعم مراكز البحوث العلمية والدوائية، بالإضافة إلى دعم الجامعات والمؤسسات الصحية للرفع من كفاءتها في الدراسة والتحليل، والرفع من كفاءة الكوادر الصحية في مجابهة الأوبئة والأمراض، وليست الحكومات ببعيدة من ذلك أيضاً.

وبالنظر لواقع الحال في السودان، فإن النشاطات التي تندرج تحت مسمى المسؤولية الاجتماعية للمؤسسات - هذا وإن وجدت - ضعيفة في مضمونها وأهدافها، ، فتقتصر بعض المؤسسات  نشاطاتها على أيام ترفيهية للموظفين، وأخرى على احتفالات بعيد الأم على سبيل المثال، و في مجملها فهي لا تخرج من النشاط الأساسي للمؤسسة، مما يجعلها أقرب لنشاطات التسويق منها للمسؤولية الاجتماعية، فالهدف من الأخيرة ليس أن تزيد الأرباح، بل خدمة مسعى سامٍ، ثم يأتي الربح تباعاً.

وليست المساهمة في دعم المواطن هذه الأيام ببعيدة من مفاهيم المسؤولية الاجتماعية إن لم تكن تصب في جوهرها، وفي اعتقادي أن ما ينتظره المواطن في ظل الأزمة العالمية الحالية هو ليس الحفاظ على الأسعار فحسب، بل خفضها أيضاً، فما نواجهه اليوم هو ليس الوباء فحسب، بل مقياس أخلاقي ستبنى عليه العديد من خياراتنا في المستقبل.

لذا، فلنعد النظر كرة، ولنبحث عن ذلك الهدف السامي، ولنسعى لتحقيقه، فما أعظم ما هو قادم.
شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.