أجندة || عبدالحميد عوض

الطيب مصطفى ودموع التماسيح

شارك الخبر

(1)
في مطلع تسعينيات القرن، وضعت رافعة التمكين الإنقاذي، الطيب مصطفى، في منصب المدير العام لوكالة السودان للأنباء، وذلك من أجل حراسة ثغرة من الثغرات، ضمن خطة الفساد والاستبداد .
لم يأت الطيب مصطفى، من ميادين التغطية الصحفية، ولم يتصبب له عرق في مشاوير البحث عن معلومة صادقة، ولا جاء من غرف الأخبار، حيث حبك القصص الخبرية، ولم يكن يحمل في سيرته الذاتية ما يفيد عن خبرة له في إدارة المؤسسات الإعلامية، وكل ما في جعبته أنه قادم من دهاليز التمكين .
(2)
بدأ مصطفى حملته “الدفتردارية” بفصل وتشريد كل من يخالفه الرأي، ويلتزم جانب المهنية الصحفية، ويجافي موجهات التنظيم الحاكم، وهاكم مثالان فقط:-
الزين يحيى مضوى، عمل في سنوات إدارة الطيب مصطفي بقسم الترجمة، وفرضت على مهنيته استخدام مصطلح “المجموعة العسكرية الحاكمة” في كتابة الأخبار الإنجليزية، بدلاً عن مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني، وله مبرراته ومنها أن الأخبار باللغة الإنجليزية يُخاطب بها العالم الخارجي ووكالات الأنباء، التي لا تستخدم سوى هذه المصطلحات، لكن “المدير المُمكن”، جاءه يوماً من الأيام، وهو يستشيط غضباً، ويأمره باستخدام الترجمة الحرفية وهى “مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني” فدافع المترجم عن وجهة نظره بكل أدب واحترام، ولما انتهى من مرافعته، خرج الطيب مصطفى، إلى مجلس الوزراء وعاد، مهرولاً بخطاب ينص على فصل الزين يحيى مضوي، من وظيفته .
(3)
ليت الأمر انتهى عن ذلك الحد، فقد لملم المترجم أوراقه، وخرج من الوكالة، وعند الباب، استقبله زبانية جهاز الأمن، فأخذوه إلى بيوت الأشباح، وبدأوا معه حملات تعذيب استمرت شهرين، خرج منها وهو يحبو كما الأطفال من وطأة التعذيب، وفي تلك الأيام كان ينام الطيب مصطفى وسط أهله مرتاح البال، وربما سأل الله ودعاه ليثوبه على فعلته في حق الرجل الذي يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله..!!
وللمعلومة فقط كان الزين مضوي، هو أول سوداني تُلتقط له صورة عليها آثار التعذيب، ووصلت الصورة لمنظمات حقوق الإنسان، ولعلم الطيب مصطفى وحده، فإن مضوي كابد مشاق الحياة بحثاً عن الرزق الحلال الذي قطعه عنه، فهاجر للسعودية، التي عاد منها مؤخراً بعد أن أصيب بالشلل، وكثير من خبراء حقوق الإنسان يؤكدون أن آثار التعذيب النفسية والجسدية يمكن أن تستمر مع الشخص لسنوات، ويحمد للجنة المفصولين التي جاءت بها الثورة أنها قامت بإنصافه من ظلم السنين، وسينتظر يوم القيامة، الإنصاف الأكبر من الله العدل الذي لا يظلم عنده أحد .
(4)
الحالة الثانية، كمثال لعمليات الفصل، التي وقعت في عهد الطيب مصطفى، وقعت على الصحفي محمد علي محمد سعيد، الذي بدأ العمل في (سونا) منذ 1971م حينما كان الطيب مصطفى تلميذا في مراحله الأولية.
تقول القصة إن محمد الأمين خليفة، رئيس المجلس الوطني الانتقالي، عقد مؤتمراً صحفيا قال فيه إن الحكومة استطاعت تحييد دولة كينيا من دعم التمرد، فنقل سعيد، الحديث كما هو، فاحتجت سفارة كينيا بالخرطوم عليه، بالمقابل أنكر خليفة قوله تلك العبارة في المؤتمر الصحفي فتشكلت لجنة تحقيق برئاسة الأستاذة نعمات بلال، وتوصلت لبراءة الصحفي وأن رئيس البرلمان قال العبارة كما جاءت في الخبر.
لم يرض قرار اللجنة سماحة المدير العام، الذي اتخذ طريقاً أسهل، أوصى فيه مجلس الوزراء بإحالة الصحفي للتقاعد مع ثمانية من الموظفين في (سونا)، دون أن يرمش له طرف.
(5)
في مقاله أمس، بصحيفة الانتباهة، تباكى الطيب مصطفى، بدموع التماسيح على قرار التوصية بإقالة حسن فضل المولى من قناة النيل الأزرق، وأي شخص في مكانه يمتلك ذرة من الحياء والخجل كان سيتوارى عن الخوض في موضوع إقالة حسن فضل المولى، لأن ما فعله وهو مدير وحدة حكومية واحدة، لا يقاس نوعاً بأي فعل آخر.

شارك الخبر
Leave A Reply

Your email address will not be published.